كريس دو بورغ في لبنان … يتذكّر الماضي ويغنّي للمستقبل


كانت العاصمة اللبنانية بيروت أول من امس على موعد مع المغني الإرلندي العالمي كريس دو بورغ الذي أبدع بأدائه على رغم تقدّمه في السن. فقد غصّت القاعة في مجمع «بيال» الذي يستضيف مهرجان «أعياد بيروت»، بالجمهور الذي كان ينتظر عودة كريس إلى لبنان. فهذه ليست المرة الأولى التي يأتي فيها إلى الشاطئ المتوسطي، فهو كان يزور بيروت ويحيي فيها حفلات ويشارك في برامج للمواهب، كما أنه أول مغنٍ أجنبي أقام حفلة في لبنان بعد الحرب الأهلية.
لا يبدو أن الشيخوخة ألقت بظلالها على هذا الستيني الذي لم يكل ولم يشبع ولم يتعب من الغناء المتواصل على المسرح مدة ساعتين، فهو كان يرقص مع الجمهور ويعزف على غيتاره الأسود المميز بحيوية لا نراها كثيراً حتى لدى المغنين اليافعين. وخلال الأمسية، قدم أجمل ما لديه وأكثر الأغنيات التي ترددت أصداؤها على مستوى العالم، أبرزها «سبانش ترين» و «سيلور» و «إي سبيس مان كيم ترافيلينغ» و «بوردرلاين» و «ويتنغ فور ذا هاريكين» و «شيب تو شور» و «ليدي إن ريد»، وطبعاً بما انه في لبنان، لم يكن باستطاعته «التهرب» من أغنية «ليبانيز نايتس» التي وقف الجمهور يرددها معه بحماسة لا توصف. ولم يقتصر برنامجه على أغنياته الكلاسيكية، بل قدم أغنيات من ألبومه الأخير الذي أطلقه العام الماضي بعنوان «إي بيتر وورلد» وغنى منه «هوب إن ذا هيومن هارت» و «بيت لحم» و «وانس إن إي لايف تايم» وهوم لاند» التي تدور حول البؤس الذي يعيشه النازحون السوريون الذين فقدوا منازلهم وأعمالهم وعائلاتهم ولم يتبق لهم حتى مجرد أرض، نتيجة الحرب الدائرة في بلادهم منذ سنوات.
يتمتع دو بورغ بحس فكاهة كبير، وبالتالي طغت أجواء ممتعة على الأمسية. فقد كان يتوقّف بين كل أغنيتين ليروي حدثاً مضحكاً حصل معه، خصوصاً في هذه الزيارة الأخيرة للبنان، من دون أن يفوّت الفرصة ليشكر أهل هذا البلد على الضيافة الحسنة والطعام اللذيذ. ومن تلك الأحداث، أن شخصاً ما أوقفه في مكان عام في بيروت وقال له بالإنكليزية «صورة؟» فاعتقد المغني أن ذلك الرجل يريد أن يتصوّر معه وصديقته، فما كان منه إلا أن اقترب من الفتاة وتحضر لأن يتصور، إلا ان الرجل اقترب منه وقال له: «لا، أنا أريدك أن تأخذ لي ولصديقتي صورة!».
ولد دو بورغ في الإرجنتين للكولونيل البريطاني تشارلز ديفيدسون والإرلندية ماييف إيميلي دو بورغ عام 1948، وتنقّل كثيراً بسبب عمل والده كديبلوماسي، فزار في نشأته دولاً كثيرة منها مالطا ونيجيريا وزائير، ما أثر فيه لاحقاً وجعله ينهل من تلك الثقافات مزيجاً متنوعاً ظهر كثيراً في الألحان التي قدمها، واستقرت العائلة في نهاية المطاف في إرلندا، مسقط رأس والدة كريس.
أحب الغناء منذ أن كان صغيراً، فكان يغني في الحفلات العائلية وفي الحفلات التي كان يستضيفها قصر بارغي الذي اشتراه السير إريك دو بورغ (جده لأمه) وحوّله إلى فندق فخم. أما مسيرته الحقيقية فبدأت عام 1974 بعدما وقّع عقداً مع شركة A&M Records شكّل في ظلها قاعدة معجبين صغيرة. فشل في تحقيق النجاح المرجو بعدما أطلق أول ألبوماته بعنوان «Far Beyond These Castle Walls»، فأطلق أغنية منفردة بعنوان «فلايينغ» كان نجاحها متواضعاً داخل المملكة المتحدة إلا انها نجحت نجاحاً باهراً في الخارج خصوصاً البرازيل. وبعد سنوات، قطف ثمار مجهوده الكبير من خلال أغنية «دونت باي ذا فريمان»، ثم توالت الألبومات والأغنيات الناجحة والتي وضعته على لائحة أفضل المغنين في العالم. ويبدو أن عمل والده والنزاعات والحروب التي شهدها أثرت في كلمات أغانيه كثيراً، فجزء كبير منها كان محورها الحروب والجنود العائدين إلى بلادهم.
قد تكون حفلة كريس دو بورغ في البيال الأخيرة له في لبنان، فعلى رغم حيويته الكبيرة وصوته الذي أنضجته السنوات وصقلته الأيام، فهو يريد الاستفادة منه ليقدم حفلات في بلاد قد تكون إلى ذلك الحين انتهت من حروبها ودمارها.
يذكر أن مهرجان «أعياد بيروت» مستمر حتى 3 آب (أغسطس) المقبل بحفلات متنوعة بين عروض موسيقية ومسرحية وحفلات غنائية.



صدى الشام