نيو يورك تايمز: “إسرائيل” ليهود أميركا: أنتم بالتأكيد لا تهمونا


أحمد عيشة

ماشا مانابوف

بالنسبة للمراقب العابر، لم تكنْ “إسرائيل” قطّ تبدو أكثر أمنًا، وازدهارًا مما هي عليه اليوم. جيرانها العرب في حالةٍ من الفوضى، والبرنامج النووي الإيراني قد أوقِف فترة من الوقت، وفريق ترامب لا يمكن أن يكون أكثر ودًا، ولا يمكن للفلسطينيين أن يكونوا أكثر ضعفًا. كل شيءٍ يبدو هادئًا على جبهة تل أبيب، ولكن لندققْ ثانيةً في الواقع، أسسُ الأمن القومي الإسرائيلي على المدى الطويل تتصدّع.

تحت قيادة رئيس الوزراء نتنياهو، تتوسّع “إسرائيل” بالتزامن مع إزالة الخط الفاصل بينها وبين الفلسطينيين، استيعابُ 2.5 مليون من الفلسطينيين يمكن أنْ يحوّل “إسرائيل” إلى دولة ثنائية القومية (يهودية عربية) في الواقع، وهي ترسم خطًا بينها وبين الشتات اليهودي، وبخاصة الجالية اليهودية الأميركية التي كانت حيويةً جدًا لأمن “إسرائيل”، ولمكانتها الدبلوماسية، ولنموها الاقتصادي الملحوظ.

يُعِدُّ نتنياهو نفسه ليكون شخصيةً محورية، في التاريخ اليهودي، إنه الزعيم الذي أحرق الجسور مع حلّ الدولتين، ومع الشتات اليهودي في الوقت نفسه.

لن أضيّعَ كثيرًا من الوقت، حول تلاعب بنيامين الماهر بالرئيس ترامب لإلقاء كلّ اللوم على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعدم إحراز تقدّمٍ في عملية السلام. يشغل بنيامين ببراعة اهتمامَ ترامب بموضوع لامع: فيديو يُظهر تصريحاتٍ متطرفة قالها عباس (من دون أي ذكرٍ لأنشطةٍ متطرفة للمستوطنين الإسرائيليين) أدت دورها تمامًا لتفادي رئيس الولايات المتحدة الإجابةَ عن الأسئلة ذات الصلة: “بيبي (تصغير بنيامين)، أنت تفوز بكلِّ نقاش”. ولكن في الوقت نفسه، الفصل اليومي لـ (إسرائيل) عن الفلسطينيين يتضاءل/ يصبح أقل احتمالًا، ويضع (إسرائيل) على “منحدر زلق نحو الفصل العنصري/ الأبارتهيد”، كما حذر مؤخرًا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك. أين خريطتك؟ ماذا ستفعل مع 420،000 مستوطن يهودي في الضفة الغربية؟ أين هو تصوّرك لكيفية عكس هذا الاتجاه الذي سيؤدي حتمًا إلى نهاية (إسرائيل) كدولةٍ يهودية ديمقراطية؟”.

لكن الآن، يلوح في الأفق تهديدٌ أكبر. في الأسابيع الأخيرة، تعاون نتنياهو مع أحزابٍ يهودية أصولية في ائتلافه اليميني الحاكم، لتوجيه ضربةٍ مزدوجة ليهود الشتات غير الأصوليين، الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم، وبخاصةٍ في أميركا. هناك ما يقرب من ستة ملايين يهودي في “إسرائيل”، وستة ملايين في الولايات المتحدة، وأربعة ملايين ينتشرون في أماكن أخرى، ونحو 75 في المئة، من يهود الشتات الذين يصلون إلى حدود عشرة ملايين، ليسوا أصوليين، ومعظمهم من أتباع التيارات اليهودية الإصلاحية والمحافظة.

أولًا، من أجل عدم المخاطرة ببقائه بالسلطة، أذعن نتنياهو لمطالب الأحزاب الأصولية، وألغى اتفاقية عام 2016 التي تقضي بإيجاد مكان مناسب للصلاة ومجاور للحائط الغربي من المعبد اليهودي القديم في القدس -وهو أقدس موقعٍ بالنسبة إلى الدين اليهودي- حيث يمكن للرجال والنساء، من الحركات غير الأصولية، أنْ يصلّوا معًا. الحاخامات الأصوليون الذين يسيطرون على الحائط الغربي يصرّون على أن يصلي الرجال في منطقة، والنساء في مكانٍ منفصل أصغر.

وفي الوقت نفسه، رضخ “بيبي”، ووافق على مشروع قانون حزب أصولي في الكنيست، بحيث يمرّر الأصوليون المتطرفون ما يعادل احتكار التحول إلى اليهودية في (إسرائيل) “عن طريق سحب اعتراف الحكومة بالاعترافات أو التحولات الخاصة”. أساسًا التي تتم من قبل الحاخامات غير الأصوليين، كما ذكرت صحيفة (التايمز) الإسرائيلية. ولفتت وكالة (تلغرافيك) اليهودية الانتباه إلى أنّ الأحزاب الأصولية الإسرائيلية، وكبير الحاخامات يسيطرون أساسًا على “كل زواج يهودي في (إسرائيل)، وعلى المهاجرين الذين يرغبون في الزواج هناك أن يُثبتوا أولًا أنهم يهودٌ، وفقًا للقانون الأصولي اليهودي. كراهية كبير الحاخامات للإصلاح والحاخامات المحافظين موثقةٌ جيّدًا”.

كما أشار مقال افتتاحي في صحيفة (إلى الأمام/ The Forward) في نيويورك: نتنياهو “ازدرى قسمًا كبيرًا من اليهود الأميركيين، وبذلك، عرّض للخطر العلاقة غير المستقرة بالفعل بين الحكومة الإسرائيلية، والشتات”.

كيف يمكن أن يحدث هذا، سألتُ غيدي غرينشتاين، مؤسسَ (مجموعة ريوت/ Reut Group) وهو يدير معهد أبحاث السياسة العامة الاستراتيجية الإسرائيلية، ومؤلف كتاب (سر التكيف اليهودي) وهو كتابٌ ذكي حقًا حول مصادر نجاة اليهودية، والعلاقة بين “إسرائيل” ويهود العالم اليوم.

“هذه لحظة الحقيقة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي ولأخلاقها”، قال غرينشتاين. “هل ترى (إسرائيل) نفسها دولةً-أمةً للإسرائيليين، أو دولةً -أمةً للشعب اليهودي بأكمله”. ما يقرب من 60 في المئة منهم يعيشون خارج “إسرائيل”؟ هل الهدف من “إسرائيل” هو خدمة التكيف المستمر، وازدهار الشعب اليهودي ووجوده، كما تصوّر مؤسسو الصهيونية، أم فقط رفاهها؟ القضية على المحك الآن”.

إذا كنت تعتقد بالخيار الثاني، يفضل أن تفصح عن رأيك. لم ينتق أو يختار السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، كلماتٍ رقيقة حول هذه اللحظة، وقال لصحيفة (جيروزاليم بوست) إنّ مكائد بيبي، والأحزاب الأصولية تؤسس “تخليًّا عن الصهيونية، [الحائط الغربي] يخصُّ الشعب اليهودي بأكمله”.

لسنواتٍ، قال غرينشتاين: “كثيرٌ من غير الأصوليين، بمن فيهم نفسي، حاولوا أن يغطوا على التوتر بشأن هذه المسألة، وبأن التفكير العملي لا بدّ أن يسود”. في حين يتذمر الحاخامات الأصوليون. “أشرنا إلى أنَّه يمكن لأيّ زوجٍ أن يقيما زواجًا مدنيًا في الخارج، وسيتم الاعتراف به في (إسرائيل)”، وبأنَّ الحاخامات المحافظين، والإصلاحيين كانوا دائمًا، بحكم الأمر الواقع، محترَمين في (إسرائيل). لهذا السبب؛ فإن “قرار الحكومة الأخير هو مثل ضربة قاضية للكثيرين”.

يشهد الآن كثيرٌ من يهود الشتات ازدواجية المعايير الذي تعاملُهم به الدولة والمجتمع الإسرائيليان، كما أشار غرينشتاين: “لسنواتٍ، لم تكن الحكومة الإسرائيلية تعترف بحاخامات الشتات، لكنها تسعى لدعمهم السياسي، وطلب المال منهم. توسل السياسيون الإسرائيليون الذين صوتوا ضد مصالح الشتات في البرلمان الإسرائيلي، في مؤتمر (أيباك) في واشنطن، مطالبين بكل امتيازاته. حسنًا، قد تنته هذه اللعبة، وقرار الحكومة الأخير قد يتحوّل إلى أن يكون القشة التي قصمت ظهر البعير”.

استخف الإسرائيليون طويلًا بحقيقة أنَّ أميركا -القوة العظمى في العالم- هي أشدُّ أنصار (إسرائيل) في الأمم المتحدة، حيث تغاضت عن المستوطنات، وأمّنت تفوق (إسرائيل) التكنولوجي على أعدائها، من خلال أنظمة الدفاع مثل القبة الحديدية، ووعدتْ (إسرائيلَ) بـ 38 مليار دولار أميركي كمساعداتٍ أمنية خلال عشرة أعوام. معظم الإسرائيليين، كما قال غرينشتاين، “يجهلون حقيقة أنَّ هذا الواقع المدهش هو نتيجة العمل الدؤوب من قبل مئات الآلاف من اليهود -الديمقراطيين والجمهوريين، ومعظمهم من غير الأصوليين- الذين تجمعوا بحماسٍ لتعزيز أمن (إسرائيل)، وازدهارها بمالهم ووقتهم ومواهبهم”.

اليوم، هوية (إسرائيل) ذاتها هي على مفترق طرق: القومية اليهودية المتعصبة تهدد بدمج (إسرائيل) مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، في حين أنّ الأحزاب الأصولية المتعصبة تهدد بعزل (إسرائيل) عن أكثر الداعمين الملتزمين.

ضربة مزدوجة لمستقبل (إسرائيل)، وتقويض الأمن القومي للدولة اليهودية، تتكشف أمام أعيننا.

اسم المقال الأصلي Israel to American Jews: You Just Don’t Matter الكاتب توماس فريدمان، Thomas Friedman مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times،12/7 رابط المقال https://www.nytimes.com/2017/07/12/opinion/israel-american-jews-benjamin-netanyahu.html ترجمة أحمد عيشة




المصدر