فزغلياد: المعارضة السوريّة توافق على الشروط الروسيّة


سمير رمان

الصورة: سيرغي بابيلوف/ وكالة تاس

المحتوى

مقدِّمة………………………………………………………………………….1

من دون رعاية C.I.A ، أصبحت المعارضة السوريّة أكثر مرونة……………..2

“البرنامج مستمرٌّ في الجنوب” …………………………………………………3

لا تزال المواجهات تحصل في مناطق خفض التصعيد………………………….4

مقدّمة

تقوم الشرطة العسكريّة الروسيّة بنشر مركزَي قيادة وثلاثة حواجز على طول خط التماس، بين الأطراف المتصارعة في شمال محافظة حمص؛ جاءت هذه العمليّة كإحدى نتائج الاتفاق، الذي عُقد بين العسكريين الروس والمعارضة السورية، لإقامة منطقة خفض التصعيد الثالثة في سورية. ويبدو أنّ خصوم الأسد الميَّالين إلى الولايات المتحدة الأميركيّة قد أصبحوا أكثر مرونةٍ من ذي قبل. فهل يرتبط هذا الانقلاب بطيّ برنامج الحماية، من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة؟

كان ممثلو وزارة الدفاع الروسيّة قد توصَّلوا، مع المعارضة السوريّة المعتدلة، إلى اتفاقٍ حول تشكيل منطقة ثالثة لخفض التصعيد، وسبق لممثِّل وزارة الدفاع الروسيّة الجنرال إيغور كوناشينكوف أن أعلن عن هذا الاتفاق، يوم الخميس الماضي. وذكَّر كوناشنيكوف: “خلال الجولة الخامسة من المباحثات التي جرت مطلع شهر تموز، في العاصمة الكازاخيّة أستانا، تمَّ التوافق بين الأطراف المشاركة على إنشاء أربعة مناطق لخفض التصعيد على الأراضي السوريّة”. وأوضح الجنرال أنّ اثنتين منها تعملان بنجاحٍ في جنوب غرب سورية، وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق. أمّا المنطقة الثالثة، فيتمُّ العمل على إقامتها في المحافظة الوسطى حمص.

كما نصّ إطار الاتفاق على نشر وحداتٍ من الشرطة العسكريّة الروسيّة، اعتبارًا من يوم الجمعة، لتقيم مركزَي قيادة وثلاث نقاطٍ للتفتيش، على امتداد خطوط التماس بين الطرفين. من جانبها، ستقوم المعارضة السورية بفكّ الحصار عن الجزء الذي تسيطر عليه، على الطريق السريع بين مدينتي حمص وحماة. ومن المفترض أن يبدأ تطبيق نظام وقف إطلاق النار، في منطقة خفض التصعيد هذه، اعتبارًا من منتصف يوم الخميس.

تضمُّ منطقة خفض التصعيد الثالثة 84 منطقة مأهولة، يعيش فيها قرابة 147 ألف إنسان. وأكَّد كوناشنيكوف: “خلال الأيام العشرة الأخيرة، وقع على اتفاق التهدئة 52 منطقة مأهولة، ليصبح مجموع عدد المناطق المأهولة الملتزمة بالتهدئة أكثر من ألفي منطقة”.

من دون رعايةC.I.A ، أصبحت المعارضة السوريّة أكثر مرونة

من الملفت للنظر، أنَّ المعارضة السوريّة “المعتدلة”، تُظهر الآن الاستعداد للموافقة على شروط إقامة مناطق خفض التصعيد. وكما أشرنا سابقًا، بعد عقد الاتفاق بين روسيا، الولايات المتحدة الأميركية والأردن، لتشكيل منطقة خفض التصعيد جنوب غرب سورية في محافظات درعا، السويداء والقنيطرة، فإنّ مجموعات “الجيش السوريّ الحرِ” قد حُرمت من المساندة التي كانت تتلقاها من المراكز الأميركيّة في الأردن.

بعد إعلان وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية وقف برنامج “التدريب والتسليح”، الذي بدأ قبل أربع سنواتٍ، في عهد إدارة الرئيس أوباما السابقة، بدأ “عناد” المعارضة السورية المعتدلة يتلاشى أمام أنظار العالم. قالت صحيفة (نيويورك تايمز)، قبل أيام: “تمَّ إنهاء البرنامج بسرعة”. وتذكِّر الصحيفة أنّ مدير C.I.A مايك بومبيو نصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف البرنامج، فوافق الرئيس على الفور.

في هذا الوقت، لم تعد مجموعات “الجيش السوريّ الحرّ” (تلقي صحيفة نيويورك تايمز اللوم على القوات الجويّة الروسيَة في إضعاف هذه المجموعات، وهي محقّة نوعا ما) تشكّل قوةً عسكريّة مهمّة على الأراضي السوريّة. ويقال إنّ برنامج “تدريب وتسليح” الجيش السوريّ الحرّ، قد كلَّف الخزينة الأميركيّة نحو 1 مليار دولار، الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات في الكونغرس. وتشير صحيفة (نيويورك تايمز) إلى أنَّ وقف البرنامج لم يكن بسبب تكاليفه الباهظة وتواضع نتائجه فحسب، بل لأنَّه “تبيَّن أنّ بعض المعدَّات والأسلحة التي أرسلت إلى تلك المجموعات، وقعت في يد مجموعات مرتبطة بـ “تنظيم القاعدة”، أي “جبهة تحرير الشام”/ جبهة النصرة سابقًا.

وتشير الصحيفة أيضًا، إلى إلغاء برنامج البنتاغون بتكلفة تقارب 500 مليون دولار، الذي كان الهدف منه تدريب وإعداد قرابة 15 ألف مقاتل من المعارضة على مدى ثلاث سنوات.

“البرنامج مستمرٌّ في الجنوب”

يعتقد أنتون مارداسوف، رئيس قسم دراسات النزاعات والقوات المسلَّحة في الشرق الأوسط، في معهد التطوير الإبداعي، أنَّ صحيفة (نيويورك تايمز) استعجلت، عندما قالت إنَّ برنامج وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة قد أوقف. فقد كانت هذه البرامج تشمل مجموعاتٍ موزّعة في منطقتين جغرافيتين: في شمال غرب سورية، وفي جنوبه. يتحدَّث مارداسوف قائلًا: “في الجنوب ما يزال البرنامج مستمرًّا، ولكن بصيغةٍ مختلفة؛ فالفصائل التي تنتمي إلى ما يعرف بـ Revolution Commando (وهي وريثة الجيش السوريّ الحرِّ الجديد، الذي ينتشر قرب التنف)، ما زالت تتلقّى التدريب والتجهيز في قاعدة القوات الملكيّة الأردنيّة الخاصّة من خلال برنامج C.I.A، كما أنّها لا تزال تتلقّى الأسلحة من البرنامج ذاته. ولكن السلاح نُزع منهم بمجرَّد مباشرتهم القتال ضدّ النظام، لأنَّ المطلوب منهم كان محاربة تنظيم (الدولة الإسلاميّة)، وليس النظام. أمَّا في الشمال الغربي، فقد توقف برنامج الاستخبارات المركزية الأميركيّة منذ عهد باراك أوباما، بسبب استيلاء (جبهة النصرة) على طرق الإمداد اللوجيستي وعلى القواعد في محافظة إدلب؛ ولهذا، لم تكن الأسلحة الأميركيّة تصل إلى المعارضة السوريّة المعتدلة، بل كانت تقع في أيدي الإسلاميين”. ويرى الخبير أنَّ الأمور لم تنجل كلُّها بالنسبة لمناطق خفض التصعيد.

لا تزال المواجهات تحصل في مناطق خفض التصعيد

من الناحية الرسميّة، كلّ المناطق التي عُقدت فيها اتفاقات في منصّات المباحثات الدوليّة، في عمّان (المنطقة الجنوب- غربيّة)، وفي القاهرة (الغوطة الشرقيّة ومنطقة حمص- حماة)، لا تتناقض مع مذكّرة التفاهم التي تمَّ التوصّل إليها بعد مباحثات أستانا. ويوضِّح مارداسوف أنّ “كلٌّ هذه المناطق مدرجةٌ في مذكَّرة تفاهم أستانا”. ويستطرد الخبير: “لدينا هنا وضعٌ ماكر، فإمَّا أن تلغي الاتفاقات التي توصّلت إليها منصّات القاهرة وعمّان اتفاقاتِ أستانا، كما هو الحال مع المنطقة الجنوبية غربيّة، أو أنَّها تُكملها بإضافة بعض التفاصيل”. ويعتبر الخبير أنّ الاتفاقات الثنائية، بين روسيا والولايات المتّحدة الأميركية، “ألغت الاتفاق الذي جرى في أستانا حول المنطقة المذكورة؛ فقد جرت هناك معاركٌ بعد عقد اتفاق أستانا، بدأها الطرفان: القوات الحكوميَّة وخصوم النظام”.

ويعتقد مارداسوف أنَّ القصّة نفسها تتكرر مع نتائج مباحثات القاهرة: “مهما قيل عن عدم تعارض هذه المناطق مع اتفاقات أستانا؛ فإنَّ هذه الصفقات قد أُبرمت بشكلٍ منفصل من دون طهران ودمشق”؛ ما يعني أنَّ نجاحها غير مضمون.

أمَّا في الغوطة الشرقيّة فتتواجد العديد من المجموعات المختلفة، سواء التابع منها لإيران أو التي ترعاها إيران”. ويوضّح مارداسوف: “حاولت هذه المجموعات شنَّ هجومٍ، يتناقض مع روح مذكَّرة تفاهم أستانا”.

بالنسبة إلى منطقة غرب جنوب سورية، التي أعلن عن قيامها الرئيسان فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، بعد لقاء هامبورغ، فقد ألغتْ عمليًّا ما تمَّ التوافق عليه بشأنها في أستانا سابقًا. ويوضّح مارداسوف: “أبدًا، لم تعمل الاتفاقات، كما كان يأمل المشاركون في أستانا؛ فقد خُرقت التهدئة، ووقعت معارك جديّة فيها. ولم تكن المعارك ضدّ الإرهابيين، بل ضدّ تحالف الجبهة الجنوبيّة، أي ضدّ (الجيش السوريّ الحرّ)، الذي يضمّ الكثيرين من العسكريين السابقين”.

يرى الخبير أنّ إيران تلعب لعبةً دقيقة في الغوطة الشرقيّة، التي ما تزال تشهد عمليّات قتاليةٍ خطيرة. ويبدو أنّ مارداسوف على ثقةٍ من أنَّه عندما “تعقد صفقةٌ ما في منطقةٍ ما، فيسارع الإيرانيّون إلى نقل وحداتٍ تابعة لهم إليها، ويبدؤون بشنّ عمليات قتالية، في محاولةٍ منهم لتقليص المساحات التي يسيطر عليها المعارضون. وسيستمرون بذلك حتى التوصّل إلى اتفاقِ جديد. تلعب التناقضات الروسية الإيرانيّة دورها في تأجيج هذه اللعبة. في حلب الشرقيّة، كان هذا التناقض واضحًا؛ ففي حين، كانت روسيا تعمل على إقامة تواصلٍ مع المشايخ المحليين، كان الإيرانيون منشغلين بتشكِّيل مختلف التشكيلات، في محاولةٍ لتقليص النفوذ الروسي، كما كانوا يقومون ببناء مراكزهم الثقافية التي تعمل على تأجيج التناقضات العرقية الطائفيّة. لم يكن هدف إيران تحقيق الأمن على الإطلاق”.

في الوقت نفسه، وكما نوَّه المحلل السياسي الإسرائيلي، والرئيس السابق للاستخبارات “ناتيف” يعقوب كيدمي، فإنَّ كتيبة الشرطة العسكريّة الروسية تتواجد في منطقة خفض التصعيد الجنوبية القريبة من هضبة الجولان. “لم يتبق في المنطقة سوى مجموعاتٍ صغيرة من تنظيم الدولة الإسلامية ومن جبهة النصرة”. يقول كيدمي: “على الغالب، سيتم التخلّص منهم. أمَّا البقيّة فسيشتركون في واحدةٍ من أنظمة المفاوضات. ومنطقة خفض التصعيد في الجنوب مؤشّرٌ جيّد”.

تبقى محافظة إدلب خارج مناطق خفض التصعيد على الأراضي السورية. ويشير كيدمي إلى “التواجد المكثَّف للإرهابيين من حلب وغيرها من المناطق عشرات آلاف من المقاتلين الذين يتخذون من المحافظة معقلًا لهم”، ولدينا هناك مشكلةٌ أُخرى: “توجد في إدلب مجموعات مقاتلةٌ أُخرى، أقواها مجموعة (الإخوان المسلمين) والمجموعات التركمانية، الواقعين تحت تأثيرٍ تركيٍ كبير. ويرتبط حلُّ هذه المشكلة بإمكانية التفاهم مع السلطات التركيّة. وهذا أمرٌ معقَّدٌ للغاية. وفي كافَّة المناطق السوريّة الأُخرى، فإنّ عمليّة التسوية قد بدأت”.

اسم المقالة الأصليّة Сирийская оппозиция согласилась с российскими условиями كاتب المقالة أندريه ريزجيكوف- ميخائيل موشكين مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد الروسية. 3 آب 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/politics/2017/8/3/881310.html

ترجمة سمير رمان




المصدر