فصائل متشددة… سوريون تحت رحمة التزمّت


muhammed bitar

بعد سنوات، كان لا بدّ من طرح السؤال حول كيفية عيش السوريين في مناطق تسيطر عليها فصائل متشدّدة. فكانت جولة لـ “العربي الجديد” على بعض تلك المناطق

مناطق سورية كثيرة باتت منذ سنوات خارج قبضة النظام السوري، إلّا أنّ حال المدنيين في تلك المدن والبلدات لم تشهد أيّ تحسّنٍ يُذكر لا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي ولا حتى الاجتماعي ولا على صعيد الحريات والحقوق العامة.

وكانت فصائل معارضة وفصائل إسلامية ترافقها قد نجحت في السيطرة على مناطق واسعة من سورية، أبرزها محافظة إدلب شمال غرب البلاد. لكنّ تلك المناطق شهدت في الفترة الأخيرة تراجعاً واضحاً في استخدام لفظ “الجيش السوري الحر” الذي تراجع نفوذه بصورة كبيرة، بعدما كان الجهة الأكثر تأثيراً وقوة على الأرض. وكان هذا التراجع لصالح فصائل أخرى ترفع شعارات دينية وأيديولوجية، فتزايد نفوذها وباتت تتحكّم في كثير من مفاصل الحياة في تلك المناطق. وتلك الفصائل المتشددة هي “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) و”هيئة تحرير الشام” و”حركة جند الأقصى” التي تبدّل اسمها إلى “لواء الأقصى”.

هيئة تحرير الشام
في ربيع عام 2015، سيطر تحالف لفصائل من المعارضة مع “جبهة النصرة” حينها، على مدينة إدلب وطرد قوات النظام منها. كانت القوّة المهاجمة تُسمّى “جيش الفتح” الذي يضمّ تحالف تلك الفصائل، لكن وبعد السيطرة على المدينة بدأ “جيش الفتح” بتأسيس إدارته داخلها ومنها القوّة الأمنية، وبدأ نفوذ “جبهة النصرة” التي أصبحت “هيئة تحرير الشام” يتصاعد داخل مدن وبلدات أخرى جرت السيطرة عليها.

يوضح ناشط سوري يعيش في مدينة سلقين في ريف إدلب، اختار لنفسه اسم يحيى، أنّ “أغلب محافظة إدلب باتت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، حيث ينتشر عناصر الهيئة بين المدنيين”. يضيف لـ “العربي الجديد” أنّ “حركة أحرار الشام التي كانت قبل نحو ثلاثة أسابيع تسيطر على مناطق مهمة من محافظة إدلب تسمح بهامش أكبر من الحريات، لكنّها في الوقت ذاته تفتح المجال أمام الهيئة لإصدار القرارات التي تقيّد المدنيين”، موضحاً أنّ “الحركة غالباً ما تتجنّب أيّ خلاف قد يؤدّي إلى الاقتتال”.

أمّا أبو حسام الذي يعيش كذلك في سلقين، فيقول لـ “العربي الجديد” إنّ “الوضع في قريتنا كان أفضل بكثير تحت سيطرة الجيش السوري الحر”، مضيفاً أنّه اضطر إلى تغيير أشياء كثيرة في حياته، لا سيّما خروج أفراد عائلته – النساء خصوصاً -من المنزل بالإضافة إلى توقّفه عن ارتياد المقهى الذي اعتاده وتناول النرجيلة أو التدخين فيه. يضيف أبو حسام أنّ “ثمّة أشياء كثيرة تبدو بسيطة جداً، غير أنّها ليست كذلك، لا سيّما إذا كانت من عادات الناس اليومية”. ويتابع أنّ “الحياة مع هيئة تحرير الشام صعبة للغاية”.

من جهته، يقول دياب الذي يعيش كذلك في سلقين: “نراقب كلّ تحرّكاتنا اليوم تحسّباً لوقوع أي مشكلة، فأحرص دائماً على مراقبة مظهري الخارجي والمظهر الخارجي لأفراد عائلتي، وتحديداً الإناث”. يضيف لـ “العربي الجديد” أنّه “عندما أسير في الشارع تبدو كل الأمور طبيعية وعلى ما يرام، لكنها حتماً ليست طبيعية عندما تتورّط في شأن ما وتقوم بتصرّف محظور”.

مناطق مشتركة
إلى ذلك، يقول يحيى إنّ “بقيّة بلدات ومدن ريف إدلب وريف حلب كانت تشهد وجوداً مشتركاً لعدد كبير من الفصائل، خصوصاً حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام اللتين كانتا تشتركان في إدارة معظم المناطق قبل أن تسيطر هيئة تحرير الشام على معظم محافظة إدلب في يوليو/تموز الماضي”.

وعلى الرغم من وجود تضييق كبيرفي بعض المناطق من قبل الهيئة، فإنّ الأهالي وبعد سنواتٍ طوال من العيش مع مقاتلين ذوي خلفيات متشدّدة، تمكّنوا من كسر الحواجز المفروضة عليهم من قبل الهيئة إلى حدّ بعيد، لا سيّما في ما يخصّ الأنشطة المدنية وارتياد المقاهي وحرية حركة المرأة.

يوسف مقاتل سابق في الجيش السوري الحر، يقول لـ “العربي الجديد” إنّ “الاختلاط بين الفصائل أدّى إلى إفساح مجال أكبر أمام الحريات للمدنيين”. ويوضح أنّ “سيطرة هيئة تحرير الشام كفصيل متشدّد على منطقة ما بطريقة منفرة، سوف تؤدّي إلى تضييق أكبر على الحريات وقمع للمدنيين فيها. من جهة أخرى، فإنّ تلك المنطقة لن تكون بمنأى عن القصف وبالتالي سوف يسقط فيها ضحايا مدنيون أبرياء بحجة مكافحة الإرهاب”. ويؤكد يوسف: “نحن لسنا قاعدة.. لقد سرقوا ثورتنا منّا”.

تجدر الإشارة إلى أنّ محافظة إدلب تُحكَم بواسطة جهاز أمني مسؤول عن تنظيم أمور المدينة، وفقاً لما توضحه مصادر “العربي الجديد” في المحافظة. والجهاز الأمني كان يتألّف من مجموعة فصائل تشكّل ما يُعرف بـ “القوّة الأمنية” وتُدار من قبل حاكم شرعي تختاره الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة.

صراع الأنشطة المدنية
قبل أسابيع، اقتحمت قوة تابعة لـ “هيئة تحرير الشام” مدرسة في محافظة إدلب وعطّلت حفلاً لأطفال مضايا. وهؤلاء كانوا يعيشون أسوأ ظروف الحصار، لذا حاولت منظمات الشمال السوري تنظيم فعالية تتضمّن بعض الأغاني والألعاب والألوان والرقص للأطفال. لكنّ الحفل ما لبث أن تعطّل، وجرى تفريق جميع المحتفلين فيما أمرت القوة التابعة للهيئة بوقف الأغاني واستبدالها بأناشيد جهادية، كذلك فُصل الأطفال الذكور عن الإناث.

رهف شابة سورية متطوّعة في منظمة تعمل على الدعم النفسي للأطفال، تقول لـ “العربي الجديد” إنّ “وجود فصائل متشدّدة في القرى والبلدات في الشمال السوري أدّى إلى تراجع كبير في النشاط المدني الذي تحوّل إلى حالات نادرة ومبادرات خجولة تأتي على نطاقٍ ضيّق، خوفاً من البطش الذي قد يتعرّض له المنظمون”. وتضيف أنّ “هيئة تحرير الشام والقوة الأمنية التابعة لجيش الفتح سيطرتا على الجامعة في إدلب وراحتا تطبقان شروطهما عبر فرض عادات وأمور دينية على الطلاب، كالصلاة ومنع الاختلاط وغيرهما”.

وتقتصر النشاطات في المحافظة على ما تقوم به المنظمات المدنية التي تعمل تحت أعين الفصائل، بالإضافة إلى ما تعدّه مؤسسات مجتمعية دينية أنشأتها الفصائل من دورات تعليمية ودورات شرعية لحفظ القرآن والأحكام الشرعية، بإشراف لجان الدعوى والإرشاد.

سوق الحوالات المالية مراقب
بعدما كانت الفصائل المتشدّدة لا تتدخّل في الشؤون الاقتصادية، اتخذت “هيئة تحرير الشام” خطوة للسيطرة على سوق الصرافة والتحويلات المالية في مناطق شمالي سورية، وقام عناصرها بعمليات سلب وسطو على مكاتب صرافة وعلى أموال الصرّافين بحجّة “المخالفات الشرعية”. وأعلنت عن مكتب لإدارة مكاتب الصرافة ومراقبة سوق الحوالات المالية.




المصدر