أكتوبر والحل المنتظر


muhammed bitar

على غير عادة دي ميستورا القلق دائماً، خرج علينا منذ أيام وهو متفائل بالحل الذي يحمله شهر أكتوبر القادم للشعب السوري حيث سيكون هذا الشهر حاسماً على صعيد مسار العملية السياسية والتفاوضية، وقد بنى دي ميستورا تفاؤله على ما يجري في الرياض من اجتماعات تشاورية لضم منصتي القاهرة وموسكو (اللتين تمثلان جزءاً من رؤية النظام للحل) إلى هيئة التفاوض العليا الممثلة لقوى الثورة والمعارضة، ليصار إلى تمييع مطالب الثورة بشكل نهائي بخلطها بأهداف النظام والقوى الكبرى التي ترى في تحييد الشعب السوري ومصالحه نجاحاً لمخططاتها وتنفيذاً لمصالحها، وليصبح الحل هو ما يسمى بالرجوع إلى “حضن الوطن” مع بقاء بشار الكيمياوي في سدة السلطة، خالطين بذلك بين حضن الوطن وحضن الأسد، منفذين سياستهم في صياغة الحل وإنهاء الثورة السورية التي جرى استغلالها أسوأ استغلال تنفيذاً للرؤيا الصهيونية التي تتبناها أمريكا وروسيا وهي في الوقت ذاته تحقق أهدافهم، عبر استخدام أدوات عدة منها منظمة الأمم المتحدة ومبعوثها إلي سوريا ستيفان دي مستورا، الذي لا يعدو أن يكون موظفاً لدى الدول الكبرى التي تمول الأمم المتحدة، وتسعى للحفاظ على بقائها كأداة من أدوات تنفيذ سياساتهم حول العالم، فالقوى الكبرى لم تسعَ إلى الحل في سوريا وإنما إدارة الحرب مستخدمة الزمن كسبيل للقتل والهدم والتهجير وتخريب البنية الاجتماعية وصولاً للأهداف التي رسمتها اسرائيل وتبنتها كل من أمريكا وروسيا، فكانت تمنح المهلة تلو المهلة لنظام بشار للفتك بالفصائل الثورية عسكرياً من جهة والإيقاع بينها من جهة أخرى عن طريق المال السياسي لإجهاض الثورة وذلك خوفاً من انتصارها.

لقد حاولوا أن يجعلوا من الثورة السورية درساً ومثلاً يحتذى للشعوب العربية وغيرها من الشعوب المسحوقة، فيما تواصل هذه الدول إدارة الأزمة مدعية أنها تبحث عن الحل، مستخدمة أساليب مختلفة وعلينا دائماً أن نقتنع بصدقيتها، والسير في ركابها من جنيف إلى أستانا مروراً بكل الاجتماعات واللقاءات الفردية المنعقدة هنا وهناك، ولكن هل اهتمت أي من هذه الاجتماعات أو اللقاءات أو المؤتمرات برأي الشعب السوري ورغباته؟ ألم تحيّد الشعب السوري من المعادلة طيلة السنوات الست الماضية، وتعاملت مع كركوزات صنّعتها وسمّتها معارضة، تتحرك بإشارة من هذه الدولة أو تلك؟ ألم تصنع العقبات وتضعها في طريق الحل؟

ألم تصنع تلك القوى ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)  لتجهض الثورة وتمد في عمر النظام وتسهم في قتل الشعب السوري، مثلما أسهمت في تشكيل المجلس الوطني وبعده الائتلاف بشخصيات بعضها لم يطأ الأرض السورية؟

ألم تصنّع فصيلا كردياً (قسد) بمطالب تتعدى المطالب الثورية لتصبح مطالب انفصالية، تتجاوز مبدأ وحدة الأرض السورية التي كانت دائماً محط أجماع الثوار على اختلاف فصائلهم؟

وبالعودة إلى العملية السياسية، هل يعتبر إقحام المنصات الممثلة للنظام ضمن الهيئة العليا للمفاوضات أسلوباً من أساليب الحل في حين أن هذه القوى لم تعلن عن نفسها بأنها قوى ثورية، ولم تتبنّ أهداف الثورة؟ وهل تضمّن الحل المقترح النظر في الحقوق المستباحة والدماء المسفوكة والدمار المتعمد والتهجير الممنهج الذي ارتكب بحق الشعب السوري؟

وكيف يكون هناك حل بين طرفين متنازعين وأدوات الجريمة ما تزال بيد المجرم بشار الذي يحتل قصر المهاجرين وأركان حكمه ما زالوا في مناصبهم.

القاتل موجود وأدواته ما زالت تعمل والضحية مجردة من كل أسباب القوة، إنها تهدئة تكفل لقوى الإحتلال التي باتت أمراً واقعاً على الأرض أن تستفيد من العقود التي أبرمتها مع بشار الأسد لقاء حمايتهم له من السقوط، وهذه القوى (أمريكا وروسيا) قادرة اليوم على فرض تهدئة في أكتوبر/ تشرين الأول القادم على الأرض السورية، كما أنها قادرة على فرضها في أي وقت، ولكنها لا تستطيع حمايتها واستدامتها، فكل موجبات الثورة موجودة بل أضيف لها الدم والتدمير والنهب والتعفيش.

فهل هذه هي معادلة التصالح؟ أم أنها إطفاء للنار مع تعمّد ترك الجمر يشتعل تحت الرماد، إلى أن تهب رياح الحرية فيعاود الاشتعال؟.




المصدر