نيزافيسيمايا غازيتا: بوتين أصبح بطلًا بالنسبة للقوميين الأميركيين


سمير رمان

الصورة: وكالة (رويتر). باستخدام مثل هذه الصورة، بدأت الصحافة الأميركية سلسلةً جديدةً من المقالات المناهضة لترامب.

بعد الاضطرابات “التاريخية” في مدينة شارلوتسفيل، لوحظ في سياسة الولايات المتحدة الأميركية الداخلية أثرٌ روسي جديد؛ أصبحت روسيا تلعب دور العامل الكامل في سياسة الولايات المتحدة الأميركية الداخلية، فعلى سبيل المثال، قامت قناة تلفزيون CNN بإنزال “خربشةٍ” تُخبر فيها الأميركيين أين تكمن “قوة” الكرملين والرئيس فلاديمير بوتين. إضافة إلى ذلك، وجدت وسائل الإعلام الأميركية أثر موسكو في أحداث شارلوتسفيل. ويؤكد الخبراء أن القوميين الأميركيين يعتبرون بوتين بالفعل بمثابة رمزٍ من نوعٍ ما. وبالطبع، لا ينسى خصوم ترامب اتهامه بأنه هو من خلق هذا التعاطف مع بوتين، داخل المجتمع الأميركي.

من جديد، يتصدر الكرملين الأعمدة الأولى على صفحات الصحف الأميركية الأكثر نفوذًا؛ على سبيل المثال، نشرت CNN (وهي واحدة من بين أقوى ثلاث محطات تلفزة في الولايات المتحدة الأميركية) على صفحة موقعها الإلكتروني الرئيسية مادةً تفاعليةً، وهي عبارةٌ عن تحقيقٍ مكرسٍ لروسيا في عهد بوتين. يتكون هذا التحقيق من ستة أشرطة فيديو، تصف بعمقٍ وتفصيلٍ وافٍ كافة جوانب الحياة الروسية المعاصرة. يبدأ التحقيق بالحديث عن السلطة الهائلة التي يركزها الكرملين في يده، وينتهي بمناقشة وتحليل الرقابة الشاملة المفروضة، على أهم وسائل الإعلام الروسية التي يدعي التحقيق أنها تؤمن لبوتين دعم أغلبية السكان الذين يقبع 20 مليونًا منهم، تحت مستوى خط الفقر.

أفرد التحقيق بندًا خاصة للحديث عن “قوة فلاديمير بوتين” التي ترتكز -بحسب CNN- على ثلاثة حيتانٍ ضخمة: قدرات البلاد العسكرية، الإمكانات الواسعة في مجال الفضاء السيبراني، و”عبادة الفرد” التي تنعكس شهرةً عظيمة في أوساط المواطنين الروس. تؤكد CNN أن روسيا تحتل الصدارة، بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين، في الإنفاق على الجيش. أما بوتين، فيصوره التحقيق “زعيمًا قويًا، لا يمكن التنبؤ بأفعاله”، وهو ينجح بـ “زرع لغمٍ جيدٍ، وهو يخوض لعبةً سيئة”.

ستبقى هذه “الخربشة” واقعًا يوميًا لفترةٍ طويلة؛ لأن مناقشة دور بوتين وروسيا في السياسة الأميركية، يبلغ الآن حدودًا جديدة. على سبيل المثال، يدور في الولايات المتحدة الأميركية نقاشٌ نشطٌ حول العلاقة المحتملة، بين سياسة الكرملين الخارجية والصدامات التي شارك فيها الراديكاليون الأميركيين الذين يكيلون المديح لبوتين، وكذلك إدانة ترامب المتأخرة لأعمال الشغب التي رافقت أحداث شارلوتسفيل.

ونذكر أن الاضطرابات قد اندلعت، نهاية الأسبوع الماضي، عندما تدفقت حشود أنصار اليمين المتطرف إلى مدينة شارلوتسفيل، للتعبير عن احتجاجهم على إزالة تمثال الجنرال روبرت لي، أحد قادة فيدرالية الولايات الجنوبية، زمن الحرب الأهلية الأميركية 1861-1865. تعمد العديد من وسائل الإعلام الأميركية لفت الانتباه إلى أن قادة “القوميين البيض” الذين دعموا أعمال الفوضى، يعتبرون بوتين أيقونة حركتهم.

وعلى نحو خاص، اعتبر الزعيم الحالي لأقصى اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأميركية، ريتشارد سبنسر، أن روسيا هي “القوة البيضاء الوحيدة في العالم”. كما صرح أحد القوميين الأميركيين المشهورين ديفيد ديوك، الذي كان يتزعم إحدى فصائل (كو-كوكس-كلان)، بأن روسيا تمثل “مفتاح انبعاث البيض”. أما زعيم حزب العمل في الولايات المتحدة الأميركية ماثيو هايم باخ، الذي يُعدّ أحد قادة المتطرفين اليمينيين، فقد أعلن، منذ فترةٍ، أن بوتين هو “قائد العالم الحر” الذي تمكن من تحويل روسيا إلى “محور القوميين”.

التقت صحيفة (نيزافيسيمايا غازيتا) برئيس Magnitsky Act Initiative ديمتري فالوييف، الذي أوضح أنه أصبح من الواضح أن الأميركيين، الذين كانوا يتحدثون منذ زمن بعيد عن يد الكرملين في السياسة الداخلية لبلادهم، بدؤوا يُظهرون اهتمامًا متزايدًا بروسيا مؤخرًا. وفي الوقت نفسه، فإن ترامب الذي ينتقد الجميع في العالم، بدءًا من السياسيين، وانتهاءً بنجوم السينما، يتجنب بمنهجيةٍ انتقاد بوتين والنازيين الجُدد؛ الأمر الذي لفتت إليه الانتباه الكثير من وسائل الإعلام. ومن المعروف أن ترامب دان مسيرة القوميين فقط، بعد يومين على اندلاع أعمال الشغب وشجب ليس أولئك القوميين فحسب، بل خصومهم أيضًا؛ مما أثار زوبعةً من الانتقادات من جانب خصومه السياسيين من الحزب الديمقراطي. وأضاف فالوييف أنه يوجد عددٌ من التفاصيل الصغيرة، ولكنها ذات أهميةٍ بالنسبة إلى العلاقات المتبادلة بين محيط بوتين وترامب. هذه التفاصيل، أصبحت الآن في متناول الرأي العام. وتابع فالوييف حديثه للصحيفة قائلًا: إن “أحد زعماء النازيين الجُدُد -وهو ريتشارد سبنسر- كان متزوجًا من نينا كوبريانوفا التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية كتب الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين. ودوغين -كما هو معروف- يتواصل مع الكاتب والصحفي الأميركي ألكسي جونسون الذي يتواصل بدوره مع الرئيس الأميركي ترامب”.

يرى الخبير أن هناك أناسًا من محيط بوتين، يعملون عن كثبٍ مع مؤسسة السلاح الأميركية، القريبة من الجمهوريين. ويشير فالوييف “كانت هناك محاولاتٌ من الكرملين للتعاون مع أنصار انفصال ولاية كاليفورنيا، ولكن هذا المزاج سرعان ما تلاشى في الولايات المتحدة الأميركية، وباءت محاولات الكرملين بالفشل. وبالنتيجة، انتقل زعيم هذه الحركة الانفصالية لويس مارينيللي إلى روسيا. على هذه الخلفية، نجد أن الكثيرين من موالي ترامب موالون لبوتين، ويعتبرون أنه بالإمكان بناء علاقاتٍ مع روسيا”. نتيجة هذا “الكوكتيل” الأحداث والأوضاع، نجد أن الاهتمام يتنامى بالكرملين وبدوره في الحياة الأميركية المعاصرة، وخاصة بعد الانتخابات الأميركية الأخيرة، يوضح الخبير.

من جانبه، قال البروفيسور في جامعة أوهايو الحكومية بول بيك لصحيفة (نيزافيسيمايا غازيتا): “بالفعل، بوتين يتمتع بالاحترام لدى القوميين الأميركيين الجدد”. وأضاف البروفيسور أن مستشار ترامب ستيف بانون، الشخصية البارزة في الحزب الجمهوري، والمتبني لوجهات نظر اليمين المتطرف: “يعتبر بانون الرئيس بوتين مبشرَ المسيحية والقومية البيضاء، الذي يواجه الإسلام”، وغيره من القوى المشابهة، من الذين، بحسب هذا الجمهوري المتعصب، يتحدون الولايات المتحدة الأميركية. وبهذا، فإن العلاقة بين بوتين والقوى اليمينية في الولايات المتحدة الأميركية قويةٌ بالفعل”.

المحلل السياسي لاري تسيسلر، في حديثه مع الصحيفة، يرى أن حقيقة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لم تعدْ مسألة تساؤلٍ في الولايات المتحدة الأميركية. “المسألة الآن، تتعلق في ما إذا كان هناك تعاونٌ بين الروس وفريق ترامب. أعطى ترامب نفسه الناسَ مبرراتٍ ليقلقوا، بتسريحه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي كان يتقصى العلاقة الممكنة بين أعضاءٍ من فريق ترامب بالروس. وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية؛ وبهذا فإن ما يجري لترامب -الآن- هو نتيجة أفعاله، وليس بسبب وسائل الإعلام التي لم تسلط الأضواء على رئاسته، كما يجب.

ما زالت الغالبية العظمى من الأميركيين لا تعرف بالعلاقة غير المباشرة بين النازيين الجدد والكرملين، يضيف الخبير. وقال مؤكدًا: “إذا افترضنا أن هذا صحيحٌ، فإنه سيُسيء إلى صورة روسيا في أميركا، وسيكون الكرملين قد ارتكب خطأً استراتيجيا فادحًا؛ إذ ليس هناك في الولايات المتحدة الأميركية “عملاق القومية البيضاء النائم”، كما يحاول قادة اليمين المتطرف تصويره”.

على جانبٍ آخر، قال السياسي الروسي المهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ستانيسلاف ستانسكيخ الخبير في القانون الدستوري المُقارَن: “ستصبح روسيا مادة للنقاش على المستوى الوطني، وليس على مستوى الولايات”. وحتى الصحف المحلية، بدأت تطرح الموضوع؛ فعلى سبيل المثال، كتب مواطنٌ أميركي، في صحيفة Daily Reflector المحلية في إحدى مناطق ولاية كارولينا الشمالية: إن المسألة يجب طرحها على النحو التالي: “الشخص الذي يشغل البيت الأبيض، هل هو أميركي أم روسي؟ وعندما نعرف ذلك، سيكون بإمكاننا المضي قدمًا”. عمومًا، نحن نشهد كيف تتحول الاتهامات بحق بعضٍ من محيط الرئيس، بوجود علاقةٍ لهم مع الروس إلى الشغل الشاغل لعقول الأميركيين العاديين.

يقول الباحث العلمي في جامعة ميريداند، مدير مؤسسة أبحاث الولايات المتحدة – أوكرانيا بيتر فويتسخوفسكي: إن وصول ترامب إلى السلطة وجملة قضاياه، شكّلا عامل تشويهٍ لسمعة روسيا في أميركا؛ فقد تشابكت هنا قضيةُ نقد سياسة ترامب مع التدقيق في “علاقاته المسيئة” مع روسيا. قبل فترةٍ وجيزة، قال أحد الصحفيين الأوكرانيين، في خطابٍ له في واشنطن: “قبل عامٍ واحد، لم يكن أحدٌ في أميركا يلاحظ الفساد الروسي في أميركا؛ أما الآن، فإن هذا الأمر يقلق الجميع هنا”. وأكد فويتسخوفسكي أن حديث الصحافة يرتبط مباشرةً بدليل المعلومات الذي تصنعه موسكو ذاتها؛ ولهذا فمن الناحية الموضوعية، هناك الكثير من مصادر المعلومات. وروسيا لا تفعل شيئًا لتصحيح الأمور، يقول الخبير: “على سبيل المثال، قبل شهر مضى، وفي إطار المؤتمر السنوي لمنظمة تآخي المدن، أعد ناشطون أميركيون متحمسون للصداقة مع روسيا، لعقد “قمة عُمَد المدن الروسية والأميركية”، وعدَ عُمد المدن الروسية بالمجيء، ولكنهم لم يوفوا بوعودهم.

اسم المقالة الأصلية Путин стал героем американских националистов كاتب المقالة  ألكسيي غورباتشوف مكان وتاريخ النشر نيزافيسيمايا غازيتا 17 آب 2017 رابط المقالة http://www.ng.ru/politics/2017-08-16/3_7053_usa.html

ترجمة سمير رمان




المصدر