عائلات في المناطق المحرّرة بلا أوراق ثبوتية


muhammed bitar

تتجلى صعوبات الحياة لدى السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في وجوه عدة تتجاوز الحصار والتهجير، فغياب الحقوق المدنية معوّق أساسي ينغّص حياتهم دون ضجيج إعلامي، ويبرز بشكل واضح في محاولة الحصول على الأوراق الثبوتية وجوازات السفر وإثبات حالات الزواج والطلاق وشهادات الولادة وغيرها.

لقد تسببت العمليات العسكرية في شتى المناطق السورية بضياع الكثير من الأوراق الثبوتية، بالإضافة لعمليات النزوح المفاجئ والهروب من القصف، ليكون ذلك كفيلاً بعيش مئات العائلات دون وثائق رسمية.

ضياع

 يقول نادر، وهو شاب من مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي، إن فقدان أوراقهم الثبوتية كبطاقاتهم الشخصية، وجوازات سفرهم وإثباتات ملكية منازلهم ودفاتر عائلاتهم التي تثبت نسب أبنائهم، كان ضياعاً لهويتّهم وجنسيتهم السورية، التي باتوا بدونها ودون أي شيء يثبت إنتمائهم لسوريا رغم عيشهم في مدنها وبلداتها.

ويضيف لـ “صدى الشام” أنه من الصعب جداً الحصول على أوراق ثبوتية بديلة، خصوصاً ان النظام نقل سجلّات الأحوال المدنية للمناطق الخارجة عن سيطرته إلى مناطقه، وفرض الانتقال للعمل في المراكز الجديدة على الموظفين العاملين في تلك المؤسسات مهدداً إياهم بالفصل من عملهم.

وباتت سلبيات هذا الأمر تظهر جليّةً على المجتمعات في تلك المناطق، فتراكم الولادات بدون تسجيل منذ منتصف عام 2012 أدت إلى عدم معرفة الأعمار الحقيقية للأطفال، وخصوصاً الذين أصبحوا أيتاماً نتيجة المعارك، وهذا ما أدى إلى حرمان هؤلاء من الكثير من حقوقهم المدنية والاجتماعية، وبالتالي دفع أهالي المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة ثمن مواقفهم السياسية بحرمان أطفالهم من الحصول على أبسط حقوقهم التي منحهم إياها القانون، فولد جيل ضائع من الأطفال لا يحمل عمراً حقيقياً ولا جنسية بسبب عدم حملهم لوثائق رسمية.

 

معاملات صعبة

 وعن الصعوبات التي تواجه مستصدري أوراق ثبوتية بديلة، قال أحد موظفي مديرية النفوس في مدينة حماة، رفض ذكر أسمه لدواعِ أمنية، إن الحصول على بدل عن ضائع لم يعد بالأمر السهل، فالنظام فرض قيوداً على تلك الدوائر بعد أن نقلها إلى مناطق سيطرته ليضيّق على معارضيه، علاوةً على الرقابة الأمنية المشددّة التي يفرضها على تلك الدوائر، الأمر الذي أجبر الكثير من العائلات لدفع رشاوى لسماسرة يعملون على تسريع سير المعاملات المطلوبة ضمن مديرية النفوس، أو إلى المزورين الذين ازدهر سوق عملهم خلال الأعوام الماضية.

كما يرفض النظام استصدار أوراق بديلة للمطلوبين الأمنيين، مطالباً العائلة بتسليم المطلوب له للحصول على الموافقة على أوراق بديلة، كما يمارس النظام ضغطاً بالطريقة ذاتها لإعطاء جنسيته لعوائل المطلوبين وأبنائهم.

ويعمل النظام على تضييق الخناق فيما يخصّ جوازات السفر، فهو على علم بحاجة أهالي المناطق الخارجة عن سيطرته للجوازات من أجل الهجرة إلى خارج سوريا.

جواز السفر

 دوناً عن باقي الأوراق والمعاملات يبقى لجواز السفر السوري وضعه الخاص وصعوباته التي لا تشبه أي معاملة أخرى كونه يرتبط بحلم كثيرين لا زالون يطمحون للفرار والاستقرار خارج البلاد.

ويمارس النظام التضييق على عمليات استصدار جوازات سفر جديدة، وفقاً للناشط الميداني هادي السالمي الذي أوضح أن النظام فرض أوراق جديدة خاصة من أجل الموافقة على استخراج الجواز منها موافقة إدارة شعبة التجنيد، والكثير من الأوراق التي ليس باستطاعة الفاقدين لها الحصول عليها.

وأمام هذه التعقيدات يتوجّه الناس إلى المتنفذين في حكومة النظام، ولمن يملكون سلطات تسمح لهم باستصدار ما يريدون بأقلّ الأوراق المطلوبة ولكن ضمن قائمة “أسعار” تختلف من شخص لآخر حسب وضعه الأمني والأوراق التي يفقدها.

ففي حماة، يقول السالمي، وصلت كلفة الحصول على جواز السفر إلى ألف وخمسمئة دولار في حين أن التكلفة الرسمية لا تتجاوز 7500 ليرة سورية، فيما وصلت كلفة الحصول على معاملات تثبيت الزواج في المحكمة إلى 300 دولار، و شهادة الولادة بين 50 و100 دولار أمريكي.

ونتيجة ارتفاع الأسعار هذا توجّه الأهالي إلى المزورين الذين يعملون على تزوير أي وثيقة أو ورقة تحتاجها، وبناء على نسخة مشابهة وبتكاليف أقل من السماسرة، لكنها دون قيود لدى النظام.

محاولات

ياسين وهو من أهالي ريف حماة الجنوبي تحدث لـ “صدى الشام” عن الصعوبات التي واجهته في تسجيل طفله بسجلات النفوس في مديرية حماة “أصبح لدي طفل في عام 2015، وأحاول تسجيله في سجلات النفوس في مديرية حماة، ولكنني فوجئت بأنه يجب أن أثبّت زواجي أولاً في المحكمة وهو ما كنت عجزت عن القيام به سابقاً لم بسبب الحصار الذي كانت تعانيه مدن وبلدات الريف الجنوبي.

وأضاف:”عملية تثبيت الزواج كلفتني ما يقارب 30 ألف ليرة سورية، نظراً لاضطراري لتوكيل محامي متواجد في حماة ليقوم بالتوقيع والسير في المعاملة بدلاً عني. ومن ثم جاءت عملية تثبيت الزواج، والحصول على البطاقة العائلية، والتي وصلت كلفتها لـ 30000 ليرة سورية، وبعد ذلك تسجيل المولود حيث يجب أن تحصل على شهادة ولادة من مختار القرية مختومة من مديرية الناحية في حماة، وهنا كانت المشكلة لأن شهادة الولادة حصل عليها طفلي من أحد مشافي المناطق المحررة وهي غير معترف بها في مناطق سيطرة النظام، أو حتى خارج الحدود السورية، لأدفع ما يقارب 40000 ألف ليرة للحصول على شهادة مزورة، ويتم تسجيل طفلي أخيراً في سجلات النفوس ويحصل على هويته السورية”. ويتابع ياسين “لولا قدرتي المادية لكان حال طفلي كحال مئات الأطفال في ريف حماة الجنوبي وسائر مناطق المعارضة”.

بالمقابل كان هناك محاولات ناجحة لإيجاد حلول بديلة لسجلات النظام لتوثيق حقوق وملكيات السوريين لمنازلهم وممتلكاتهم، ولإثبات عقود الزواج والطلاق وسواها، حيث قامت بعض المجالس المحلية في بعض مناطق المعارضة بإصدار بطاقات عائلة، والعمل على تأمين بعض الأوراق الثبوتية، لتشكل نواة عمل تنوب عن السجل المدني التابع للنظام، وتحل مشكلة عدد كبير من أهالي المناطق المحررة.

ويواجه عدد كبيرعدد كبير من الشبان المتواجدين في الريف المحرر من مشكلات في هذا السياق كونهم من المنشقين والمطلوبين للنظام، ووثائقهم الرسمية التي تدل على شخصيتهم موجودة لدى مؤسسات النظام، ولذلك قامت تلك المجالس بإنشاء هذه الدوائر الصغيرة لتحلّ جزءاً كبيراً من المشاكل التي تعترض هؤلاء الشباب، ولضمان حقوق النساء في حالات الطلاق، ولتوثيق حالات الولادة والوفاة واستصدار أوراق رسمية من الحكومة المؤقتة علّها تفي بالغرض بدلاً عن الأوراق الضائعة والتي يرفض النظام استخراج بديل عنها. ويبقى أن ما ينقص تلك الأوراق (التي توفرها المعارضة) هو الحصول على الإعتراف الدولي بالوثائق الصادرة عن الحكومة المؤقتة لضمان حقوق الناس.




المصدر