غازيتا: “للولايات المتحدة الأميركية استراتيجية في سورية لعقودٍ مقبلة” لمَ يحتاج الأميركيون إلى قواعد عسكرية على أراضي الأكراد السوريين؟


سمير رمان

تعتزم الولايات المتحدة الأميركية الإبقاء على قواعد عسكرية لها في الشمال السوري، حتى بعد الانتصار على مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” المحظور في روسيا الاتحادية. في الوقت نفسه، باستثناء روسيا، لم تعط الحكومة في دمشق موافقةً رسمية لأحدٍ، لنشر قواعد على أراضي البلاد. إلا أنه، في واقع الأمر عدا روسيا والولايات المتحدة الأميركية، قامت عدة دولٍ بنشر قواتها المسلحة هناك. فما هي النتائج الممكنة التي سيولدها هذا الواقع في المستقبل؟

ينوي الجيش الأميركي الإبقاء على قواعده في الشمال السوري، حتى بعد الانتصار الكامل على تنظيم “الدولة الإسلامية”. يفترض حليف الولايات المتحدة الأميركية الرئيس في البلاد (قوات سورية الديمقراطية) أن وجود هذه القواعد سيكون عامل استقرارٍ في المستقبل.

في مقابلة مع وكالة أنباء (رويترز)، قال الممثل الرسمي لـ (قوات سورية الديمقراطية) طلال سلو: “تمتلك الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية لعقودٍ مقبلة في سورية. سيتم عقد اتفاقاتٍ عسكرية، اقتصادية وسياسية، بين قيادة مناطق سورية الشمالية وإدارة الولايات المتحدة الأميركية”.

تُعدّ (قوات سورية الديمقراطية) اليوم حليفَ الولايات المتحدة الرئيس في سورية. وبالتحديد، قوات سورية الديمقراطية (التي يشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري) هي من يهاجم الآن الرقة. وبحسب الخبراء الأميركيين، تمثل الرقة الرمز الثاني، من حيث الأهمية، بعد الموصل، بالنسبة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”.

بحسب طلال سلو، للولايات المتحدة الأميركية مصالح استراتيجية في سورية “حتى بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية”. ويقول: “تحدثوا قبل فترةٍ عن إمكانية تحصين مناطق للتحضير لإقامة مطارٍ عسكري. وهذه بدايةٌ فقط؛ فهم يقدمون المساعدة، ليس ليخرجوا لاحقًا ببساطة. أميركا لا تقدم المساعدة مجانًا”.

يتوقع سلو أنْ تصبح سورية قاعدةً جديدة للقوات الأميركية في الشرق الأوسط: “من الممكن، أن تكون قاعدةً بديلةٍ لقاعدتهم في تركيا”، قال ممثل (قوات سورية الديمقراطية)، ملمحًا إلى قاعدة (إنجيرليك) جنوب تركيا.

الجيوش الأجنبية في سورية

تمُثل قاعدة (إنجيرليك) المشار إليها منطلقًا للقوات الأميركية لشن ضرباتها على مواقع تنظيم الدولة في سورية والعراق. ومع زيادة التقارب التركي-الروسي في المجال العسكري، يصبح على الأميركيين التفكير جديًا ببدائل عن هذه القاعدة. وقد وجهت السلطات التركية لعددٍ من الضباط الأتراك العاملين في قاعدة إنجيرليك اتهاماتٍ بالعمل بشكلٍ رسمي مع عسكريين من الولايات المتحدة الأميركية، للتحضير لعملية الانقلاب الذي جرى، في 15 تموز عام 2016.

اليوم عدا روسيا، التي وقعت اتفاقيةً مع الحكومة السورية لنشر قواتٍ روسية ومعداتٍ في قاعدة حميميم الجوية، تتواجد في هذا البلد الشرق أوسطي المأزوم جيوش عدة دولٍ أجنبيةٍ أُخرى.

على سبيل المثال، العسكريون الإيرانيون -حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد- ينتشرون في العديد من المناطق، ويشاركون بنشاطٍ في المعارك القتالية. تظهر على صفحات الإنترنت من حينٍ لآخر صورٌ لأحد أبرز الجنرالات وأكثرهم شهرةً، قاسم سليماني، بين جنوده على جبهات القتال السورية.

الحليف المهم الثاني للأسد هو الحركة الشيعية اللبنانية “حزب الله”، وهو يمتلك أيضًا مواقع في البلاد. ولهذا السبب، تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف الأراضي السورية بشكلٍ دوري. يعتبر “حزب الله” بالنسبة إلى الإسرائيليين أحد أخطر أعدائهم، ويخشون أنْ تعطي الحرب السورية الحزبَ الفرصةَ لتعزيز قدراته العسكرية والمهنية.

أما في منطقة الباب، شمال سورية فتنتشر وحداتٌ من الجيش التركي. منذ تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016 ولغاية شباط/ فبراير 2017، يخوض الجيش التركي وحلفاؤه من المعارضة السورية المسلة معاركَ قاسية ضد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” قرب المدينة.

وبالنتيجة، بحسب الصحفيين الألمان، خسر الأتراك ما لا يقل عن 10 من دباباتهم ليوبارد، بالإضافة إلى مقتل قرابة 59 جنديًا تركيًا. في تركيا، يلتزم الإعلام الحكومي الصمت، تجاه خسائر الجيش التركي.

اليوم، تمثل مدينة الباب نقطة الاستناد الرئيسية للقوات التركية في الشمال السوري. كما يقضي الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا، تركيا وإيران، على نشر قواتٍ تركية في محافظة إدلب بصفة الضامن لوقف الأعمال القتالية. إلا أنه، بسبب اضطراب المنطقة، لم تدخل القوات التركية المنطقة حتى اليوم. ففي محافظة إدلب تدور بين مجموعة “حركة أحرار الشام”، المتحالفة مع تركيا، وبين تنظيم “جبهة النصرة” المتشدد (كلا التنظيمين محظور في روسيا الاتحادية).

بحسب وكالة الأنباء التركية Anadolu، فإن قرابة 10 قواعد عسكرية أميركية قد أُقيمت حتى الآن في الشمال السوري. أُقيمت جميع هذه القواعد العسكرية على أراضي تقطنها أغلبيةٌ كردية وخاضعة لـ (قوات سورية الديمقراطية). يطلق على هذه المناطق تسمية فيدرالية شمال سورية، وهي منطقة حكمٍ ذاتي، أُعلنت من طرفٍ واحد، ولا تعترف بها الحكومة في دمشق. الأكثر أهمية بين هذه القواعد، هو المطار الحربي في منطقة الرميلان، وفي كوباني (عين العرب). وبالتحديد من هناك، بحسب وكالة أنباء (رويترز)، تحلق طائرات الهليوكوبتر الأميركية، لتقديم الدعم لـ (قوات سورية الديمقراطية) في معارك الرقة.

هل تستحق القواعد العسكرية خوض حربٍ جديدة؟

يعتبر رئيس مجلس المنظمة الاجتماعية “منطقة الحكم الذاتي القومي-الثقافي الفيدرالية لأكراد روسيا الاتحادية” فرحات باتييف، أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية تمثلان الضامن الرئيس لوقف النزاع في سورية. وقال فرحات لصحيفة (غازيتا.ru ): “لتسوية النزاع السوري سياسيًا يلزم ضامنين أقوياء، وفي حالتنا يمكن أن تكون روسيا والولايات المتحدة الأميركية معًا، هما الضامنتان. من الممكن التوصل إلى اتفاقٍ؛ لدى الأكراد، على الأقل، الرغبة والاستعداد لخوض المفاوضات”.

في هذا السياق، يعتقد باتييف أن وجود القواعد العسكرية الأميركية لا يحمل خطر نشوب نزاعٍ جديد، بعد القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية.

إن خطر نشوب نزاعٍ جديد ممكنٌ، لأن الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من تخليها عن المطالبة برحيل بشار الأسد من منصب رئيس سورية، فإنها لا تزال تعتبره عدوًا. ولهذا، فإن بمقدورها، بعد القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، الضغط على (قوات سورية الديمقراطية)، لتقوم ببذل الجهود لإسقاط الأسد بالقوة.

يدافع قادة الأكراد السوريين السياسيين عن الموقف الداعي لإقامة دولةٍ فيدرالية في سورية، بدلًا من الهيكل الموحد في سورية، وهو أفضل مخرج من النزاع الأهلي في سورية. يعتقد باتييف أن: “في ظروف الواقع شرق الأوسطي، أي شكلٍ من أشكال السلطة الواحدة سيكون قاتلًا للشرق الأوسط متعدد القوميات والطوائف. وسيكبح وجود القواعد الأميركية السلطات السوريَة من محاولة العودة إلى الهيكل الوحدوي، كما أن وجود القواعد الروسية سيَحول دون قيام تركيا بالتعدي على وحدة وسلامة الأراضي السورية وكردستان السوري بشكلٍ خاص”.

مدير تحرير (يزيدي-برس) روستام رزغزيان له رأيٌ آخر. فقد قال لصحيفة (غازيتا): “الأكراد في سورية عبارةٌ عن أداةٍ لتنفيذ سياسة الولايات المتحدة الأميركية لا أكثر. ومن المهم أن نتذكر هنا بداية الأزمة السورية. فقد تجاهل الأميركيون طويلًا العامل الكردي في سورية، ووضعوا رهانهم عليهم، فقط عندما أصبح واضحًا فشل محاولات واشنطن تشكيل قوةٍ موحدة من فصائل المعارضة السورية المشتتة، ومن ضمنها منظماتٍ إرهابية، تكون قادرةً على قتال بشار الأسد. أما بالنسبة للأكراد، فيرى الأميركيون فيهم قوةً يستطيعون هم وضعها في مواجهة الأسد”.

ولهذا، يرى مدير تحرير (يزيدي-برس) أن الانتصار على تنظيم “الدولة الإسلامية” لن يعني نهاية الأزمة السورية، بل على العكس، قد يكون بداية نزاعٍ عنيف بين الأكراد، الذين تدعمهم واشنطن، من جانبٍ، وحكومة الأسد، من جانبٍ آخر. رزغويان على ثقةٍ بأن “من المهم بالنسبة للأكراد عدم الوقوع في هذا الفخ، الذي تعده واشنطن لهم، وأن عليهم العمل للحصول على أكبر المكاسب، بالمناورة بين أكبر أطراف النزاع السوري. في الوقت الراهن، كما على مستوى المستقبل المنظور، الأكراد والأميركيون مضطرون إلى التعاون مع بعضهم البعض، ولكن واشنطن -على المدى البعيد- لن تكون مستعدةً للتضحية بعلاقاتها مع تركيا -حليفها في حلف الناتو- من أجل فيدرالية شمال سورية، حيث تسود هياكل، قريبةٌ من حزب العمال الكردستاني (الذي تعدّه تركيا منظمةً إرهابية).

اسم المقالة الأصلية «У США есть стратегия в Сирии на десятилетия вперед».Зачем американцам военные базы на территории сирийских курдов كاتب المقالة الكسندر ريبين مكان وتاريخ النشر صحيفة غازيتا.ru  . 26 آب 2017 رابط المقالة https://www.gazeta.ru/politics/2017/08/25_a_10857644.shtm ترجمة سمير رمان


المصدر