مرة أخرى يغيب الفرح ويحضر الخذلان في اليرموك


جيرون

يعود العيد من جديد على مخيم اليرموك المحاصر جنوب العاصمة، دون أن يستطيع الفرح اختراقَ متاريس وسواتر “القتلة” الذين يسيطرون على المخيم، منذ أكثر من عامين، ولم يتركوا لأهله أي هامش للتعبير عن رغبتهم في الحياة وممارسة طقوسهم الوطنية، كما اعتادوا أن يفعلوا على مدار عقود من الزمن.

أكثر من أربعة أعوام مرت على المخيم يتناوب فيها نظام الأسد وميليشياته، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على حصار اليرموك وقتل أهله، ومنع أي سبل للحياة، اليوم لا تظاهرة للكشّاف داخل شوارع اليرموك، ولا مشاعل تشع، ولا أعلام فلسطينية ترفرف، ولا ساحات للعيد تزدحم بابتسامات الأطفال واليافعين، ولا رائحة للكعك الفلسطيني تفوح معلنةً ترحيبَ شعب الخيام بالضيف القادم، قبل أن يُعلن عن قدومه عبر الشاشات أو مآذن المساجد.

المعلومات الواردة من اليرموك تؤكد أن الحيّ الوحيد هناك هو الحصار والموت، أما أهله فما زالوا يقارعون الاثنين الحصار والموت، في محاولة للإفلات من خطاب الخذلان وموقع الضحية، وفي مسعى للحفاظ على ما تبقى من أحلام وطنية إنسانية، لا أكثر.

في هذا السياق، قال الناشط بلال عدنان: “قبل الحديث عن غياب العيد وفرحته، لا بد من التأكيد أن النقطة الطبية الوحيدة في مخيم اليرموك تعاني عجزًا مطلقًا على كافة الصعد، عشرات الحالات لأمراض مستعصية لا يمكن تقديم أي علاج لها هنا سوى أن ننتظر معهم الموت، والنظام السوري ما زال يمنع خروجهم ويمارس أبشع صنوف الابتزاز، التنظيم يمنع الناس من التنفس، وليس فقط من الحياة، الابتسامة أصبحت في اليرموك جرمًا يُعاقب عليه، وقد تصل العقوبة عليها إلى حد الإعدام، بتهمة (الكفر)!”.

من جهة أخرى، قال الناشط رائد عماد لـ (جيرون): “ربما هذا العيد الثامن أو التاسع، واليرموك يرزح تحت حصار مطبق ومركب من أطراف عديدة، شوارع المخيم خالية من أي مظاهر للعيد، لا أراجيح، ولا أصوات للأطفال الذين كانوا يملؤون المدى بصراخهم وضجيج ألعابهم، لا رائحة لكعك العيد، حتى مظاهر الأمهات صباحًا في الحارات، وهن يعلنّ عن قدوم الضيف بتبادل التبريكات غابت، وحضرت فقط تكبيرات المآذن، وحتى هذه لم يكن لها ذلك الوقع في النفوس؛ لأن من يسيطر على المساجد الآن داخل المخيم قتلة، أوغلوا في دماء أهله”.

أضاف عماد: “كانت مظاهر عديدة داخل المخيم تعطي خصوصية للعيد، منها مسيرة الكشاف مع ساعات الفجر الأولى، وهي تحمل المشاعل وصور الرموز الوطنية، وتعزف أغاني الثورة الفلسطينية اليوم غابت هذه أيضًا، الاجتماع في مقبرة الشهداء لقراءة الفاتحة على أرواح الرعيل الأول من القادة خليل الوزير، سعد صايل، وغيرهم من شبابنا الذين قضوا خلال ثورة الحرية والكرامة في سورية، اليوم نذهب إلى المقبرة، لنعاين ما أحدثه قصف النظام السوري وممارسات (داعش) من دمار بداخلها وترميم ما يمكن أو ما يسمح لنا بترميمه، حتى المقابر والأموات لم يسلموا من إجرام الأسد وربيبته (داعش)”.

يأتي العيد هذا العام تزامنًا مع إنذارات وجهها (داعش) للأهالي، داخل منطقة غرب وشمال غرب اليرموك الخاضعة لسيطرة (تحرير الشام)، طالبًا منهم مغادرتها قبل إطباق الحصار بشكل كامل، فيما يؤكد ناشطون أنها تمهيد لجولة اقتتال أخرى بين الطرفين.

على الرغم من أن تسريبات كثيرة، من أطراف محسوبة على النظام السوري، تفيد بأن تسوية المخيم ستنتهي بعد عيد الأضحى، يبقى التفاؤل لدى الأهالي في اليرموك ضئيلًا جدًا؛ لاعتبارات كثيرة، أهمها أن لا أحد يريد لهذه المأساة أن تنتهي، ليس في مخيمهم فقط، بل في عموم سورية، والجميع يرغب بترتيب انتصار للقتلة وصناعة عرش لهم من جماجم الضحايا والمنكوبين، على حد تعبيرهم.

في هذا الصدد، قال عدنان: “ليست المرة الأولى التي يدور فيها الحديث عن تسوية مرتقبة للمخيم تنهي الفجيعة المتواصلة منذ أعوام، ولكن حتى اللحظة لا تبدو الأطراف الفاعلة جادة في ذلك. مؤخرًا تصاعد الحديث عن حل مزمع بعد عيد الأضحى يضمن خروج (داعش وتحرير الشام) وعودة المهجرين إلى داخل مخيم اليرموك، وفق ترتيبات بين منظمة التحرير وبقية الفصائل مع النظام السوري، ولكن على الأرض، لا شيء يوحي بذلك”.

وأضاف موضحًا: “من جديد نؤكد أن مصير المخيم مرتبط بمصير الجنوب الدمشقي، وما قد يشهده من تسويات أو صراعات، كل الأطراف الآن تبحث عن نصر مزعوم أو عن شروط تحفظ ماء الوجه، وهذ المساومات ثمنها أرواح البشر هنا، فلتتأخر التسويات السياسية وليتنازعوا كما يشاؤون، ولكن فليجدوا حلًا إنسانيًا لأكثر من 6 آلاف إنسان محاصرين، منذ أربع سنوات”.

بعض الأصوات الفلسطينية التي تدور في فلك الأسد ومشروعه تقول إن الحياة متواصلة في اليرموك، والصورة ليست مأسوية لذلك الحد، معللين قناعتهم بأن الفلسطينيين قادرون على تجاوز كل الصعوبات، والمضي قدمًا نحو المستقبل.

في هذا الجانب، أوضح عماد “من الطبيعي أن تغرد بعض الشخصيات القيادية الفلسطينية على إيقاع النظام السوري وحلفائه، فلم يعد بجعبتهم سوى هذه اللغة المعلبة للتغطية على تورطهم بدماء شعبهم وتشريده وانحيازهم إلى مجرمي الحرب في سورية، هذه الأصوات تلقت ثقافتها السياسية في مواخير الأنظمة العربية، وهي تتعاطى العمل الوطني كما تتعاطى العاهرة مع زبائنها، فليحتفوا كما أرادوا بفحولتهم ووطنيتهم المشوهة، وليتركوا شعبنا يداوي جراحه كما يشاء، نحن هنا لا نريد أن نكون أبطالًا، ولا نرغب بصياغة حكاية جديدة عن الصمود والتحدي، نريد فقط لهذه المأساة أن تنتهي”.




المصدر