روسيا تعيد النظام السوري إلى دير الزور




دخلت معركة دير الزور أمس الثلاثاء، منعطفاً حاسماً لمصلحة قوات النظام السوري التي تمكنت من الدخول إلى المدينة، وكسر الحصار الذي كان يفرضه تنظيم “داعش” على الأحياء التي يسيطر عليها النظام داخل المدينة، لا سيما قاعدة “اللواء 137” والمطار العسكري هناك في الجزء الغربي. هذا التقدم الذي لم يكن ممكناً لولا الدور العسكري الروسي، سيستكمل بمعارك شرسة في الأيام المقبلة لطرد مقاتلي “داعش” من مساحة 60 في المائة التي يسيطرون عليها في دير الزور. وأياً يكن الوقت الذي سيستغرقه تحرير كامل محافظة دير الزور، ثاني أكبر المحافظات السورية، من سيطرة التنظيم، والسيناريوهات التي ستتخذها العملية ومن ضمنها المواجهة المحتملة بين قوات النظام ومليشيات “قوات سورية الديمقراطية”، إلا أن فتح مناطق سيطرة قوات نظام بشار الأسد، بعضها على بعض في دير الزور، يشكل بحد ذاته تحولاً استراتيجياً، سارعت روسيا إلى استغلاله سياسياً لمصلحة حليفها، نظام بشار الأسد، ولمصلحة أجندتها المتعلقة بتسوية الصراع السوري على طريقتها.

وبرز الموقف الروسي ببعديه السياسي والعسكري؛ فمن جهة، أعلن الكرملين أمس الثلاثاء، أن الرئيس فلاديمير بوتين، أرسل برقية لبشار الأسد، مشيداً “بالنصر الاستراتيجي” في دير الزور. وكانت قناة “روسيا اليوم” نقلت عن بوتين إعلانه أن انطلاقة العملية السياسية لتسوية الأزمة وتثبيت الهدنة في سورية، يرتبطان بضرورة استكمال عملية تحرير ريف دير الزور من تنظيم “داعش”. وأكد بوتين في تصريح من مدينة شيامن الصينية، أن الوضع الميداني في سورية يتغير جذرياً “لصالح القوات الحكومية”، مشيراً إلى أن “الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية اتسعت بأضعاف في غضون سنة أو سنتين، وتتطور هذه العملية بوتائر متسارعة”، وفق تعبيره. كما قال إنه “فور انتهاء المعارك في دير الزور، وذلك سيعني تكبيد الإرهابيين هزيمة نكراء، ستحصل القوات الحكومية وحكومة الأسد على تفوق لا جدال فيه، يجب القيام بالخطوة التالية (باتجاه) تثبيت نظام وقف النار وتعزيز مناطق تخفيف التوتر وإطلاق العملية السياسية”. ومن جهة ثانية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، بحسب “القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية” الروسية، أن “سفينة، الأدميرال إيسن، المتمركزة في البحر المتوسط أطلقت صواريخ كاليبر المجنحة على أهداف لتنظيم داعش الإرهابي في دير الزور، تم من خلالها تدمير نقاط مراقبة ومراكز اتصال ومستودعات أسلحة وذخائر للتنظيم، وتم التأكد من فاعلية الضربات من خلال طائرات الاستطلاع والطائرات بدون طيار التي كانت تتواجد في المكان”. وأوضحت الوزارة أن هذا القصف “يأتي في إطار دعم تقدم (قوات النظام) التي تزحف نحو دير الزور لفك الحصار المفروض من قبل التنظيم المتشدد، عنها”. وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت، في وقت سابق أمس الثلاثاء، أن “جنديين متعاقدين كانا يرافقان قافلة من السيارات العسكرية تابعة للمركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سورية، قتلا جراء قصفت القافلة بصاروخ من جانب داعش، وذلك أثناء توجهها إلى ريف دير الزور”.

وأعلنت قوات النظام في بيان أمس، أن وحداتها “بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة وبإسناد جوي من الطيران الحربي السوري والروسي (…) تمكنت من فك الطوق عن (…) المحاصرين” في دير الزور. واعتبرت أن “أهمية هذا الإنجاز الكبير تنبع من كونه يشكل تحولاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب”. وجاء هذا الإعلان بعدما أورد الإعلام الرسمي التابع للنظام أنه تم كسر الحصار عن المدينة “بعد وصول قوات (النظام) المتقدمة من الريف الغربي إلى (قاعدة) الفوج 137″، وهي قاعدة عسكرية محاذية لأحياء في غرب دير الزور، يسيطر عليها النظام السوري وكان يحاصرها “داعش” منذ ثلاث سنوات.

وتحاول طهران أيضاً الاستفادة من تحولات معركة دير الزور. وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن “النتائج القيمة للتعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا وسورية وجبهة المقاومة (في إشارة إلى حزب الله اللبناني) لمحاربة الإرهاب، تظهر بشكل مستمر على الساحتين السياسية والميدانية”، منوهاً بـ”نجاح لا يقدر بثمن لهذا التحالف” في دير الزور.

ومن شأن سيطرة قوات النظام بالكامل على دير الزور أن تجرد تنظيم “داعش” من أحد أبرز معاقله في سورية، في وقت خسر فيه نحو 70 في المائة من مساحة مدينة الرقة، منذ يونيو/حزيران الماضي، على وقع تقدم “قوات سورية الديمقراطية” بدعم أميركي.

ورأى الباحث في الشأن السوري، أرون لوند، بحسب ما نقلت عنه وكالة “فرانس برس”، أن تقدم قوات النظام “يشكل من الناحية السياسية انتصاراً نوعياً لبشار الأسد ومؤيدي الحكومة السورية وهزيمة كبرى لتنظيم (داعش)”. واعتبر أن ما جرى يبدو وكأنه “نقطة تحول محتملة في الحرب في شرق سورية، حيث سيصبح الأسد حالياً في وضع جيد يمكنه من تحسين موقعه في وقت يتلاشى فيه تنظيم (داعش)”، وفق تعبيره.

وتسبب حصار التنظيم لدير الزور بمفاقمة معاناة السكان مع النقص في المواد الغذائية والخدمات الطبية، إذ بات الاعتماد بالدرجة الأولى على مساعدات غذائية تلقيها طائرات سورية وروسية وأخرى تابعة لبرنامج الاغذية العالمي. وتحدث الناشط الإعلامي عامر هويدي، من دير الزور، لـ”العربي الجديد”، عن حركة نزوح كبير من الأحياء الخاضعة لسيطرة “داعش” في المدينة، مؤكداً أن العديد من القرى في الريف الشرقي والغربي أصبحت شبه خالية من أهلها الذين يتجهون إلى المناطق التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية”. وأضاف أن “هناك عمليات قصف عنيف على مختلف مناطق دير الزور، فقد تم توثيق أكثر من 70 غارة (معظمها روسية) خلال 48 ساعة الماضية، إضافة إلى القصف المكثف بالبراميل المتفجرة”، مشيراً إلى مقتل 65 مدنياً خلال أربعة أيام في الريف الغربي لدير الزور فقط، إضافة إلى وجود قتلى أخرين في التبنة والبويطيه. ولفت إلى أن “الوضع الإنساني في دير الزور، إنْ كان داخل المدينة أو خارجها، سيئ للغاية، إذ يفتقد الأهالي لجميع مقومات الحياة، وغالبية الناس تبحث عن فرصة للنجاة”، لافتاً إلى تسجيل “حالات ازدحام شديدة في قطع نهر الفرات عبر العبارات بعدما تم تدمير الجسور”. وبيّن أن “التنظيم خفف من وجود عناصره داخل ديرالزور خصوصاً على جبهتي الرشدية والحويقة وسط أنباء عن سحب بعض عناصره من المدينة باتجاه الريف الشرقي، كما سحب التنظيم عتاده الثقيل من البادية غربي المدينة باتجاه حقل التيم ومزارع البانوراما جنوب مدينة دير الزور التي تعرضت لقصف بعشرات الغارات الجوية”. وأكد أن التنظيم “قام بتفجير أنابيب الري الإسمنتية في بلدات موحسن والمريعية وإصلاح البوليل شرق دير الزور، وذلك بحجة احتمال احتماء قوات معادية له خلفها في حال تعرض لهجوم”، وفق قول المصدر نفسه.

معركة الرقة
وتتواصل الاشتباكات في الرقة ضد تنظيم “داعش”. وتتعرض المواقع المتبقية بيد التنظيم في المدينة، لقصف عنيف، وسط تقدم محدود تحرزه “قوات سورية الديمقراطية”. وسيطرت هذه القوات على المدينة القديمة في وسط المدينة، وعلى الجامع الكبير الأثري هناك، لتصبح بذلك مسيطرة على نحو 70 بالمائة من مساحة الرقة.

وذكر الناشط الإعلامي، عبد الجبار الهويدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المعارك تسير ببطء في الرقة حيث لا يتم تقدم إلا عقب تدمير الحي أو الشارع”. وأشار إلى أن “قوات سورية الديمقراطية و”التحالف الدولي” يتبعان “سياسة الأرض المحروقة” هناك. وبيّن أن “التنظيم لا يزال يسيطر على قسم من شارع تل أبيض، وقسم من شارع الوادي، وسوق الهال القديم، إضافة إلى عدد قليل من الأحياء على أطراف المدينة، بمساحة إجمالية لا تتجاوز الـ5 كيلومترات مربعة”.

وفي ظل غياب الإحصاءات لعدد المدنيين في مناطق سيطرة “داعش” داخل الرقة، قدر الهويدي عددهم “بما بين 10 ألاف و15 ألفا”، ونقل عن أحد الناجين من الرقة، أن الوضع الإنساني في مناطق التنظيم سيئ للغاية، مؤكداً أن الجثث تنتشر في الشوارع وغالبيتها تعود للمدنيين. ولفت إلى أن السكان يعانون من فقدان الماء الصالحة للشرب والدواء والشح الشديد بالمواد الغذائية، وحتى خروج المدنيين أصبح شبه مستحيل بسبب القنص والألغام، إضافة إلى الدمار الكبير في المدينة، بحسب قوله. وذكر الهويدي أن “هناك قتلى بين المدنيين بشكل يومي، منهم من يتم توثيق موتهم، ولكن الغالبية مصيرهم مجهول بين الأنقاض”. وقال إن “مناطق التنظيم في الرقة محاصرة بشكل مطبق، ويقدر عدد مقاتلي التنظيم فيها بما بين 300 و400 مقاتل”، متوقعاً أن تستمر المعارك حتى نهاية العام الحالي، ويكون حينها تم تدمير المدينة بالكامل”، وفق تعبيره.




المصدر