اللجوء السوري في ماليزيا.. حياة في “تركيا ثانية”




يستعدّ الثلاثيني (ع. ش) المقيم في تركيا للسفر إلى ماليزيا، على أمل أن تمنحه تلك الدولة البعيدة فرصة للقاء بعائلته التي تسكن في مدينة دمشق، بعد أن عزّ الأمر عليه في تركيا التي أغلقت أبواب فرص الحياة الكريمة بوجهه.

ويدرك الشاب السوري أن عودته إلى تركيا من بعد ذلك لن تكون أمراً سهلاً، بسبب صعوبة إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول (الفيزا) إلى تركيا مجدداً، لكنه مع ذلك لم يجد بُداً من السفر.

“أعرف أن قراري هذا يبدو صعباً، لكن الأصعب أن لا تجتمع بوالديك وبزوجتك”، يقول (ع ش) لـ”صدى الشام”، ويتابع “ليس خياري ترفاً، وفي النهاية مجبر أخاك لا بطل”.

مرّ عام ونصف العام على وصول الشاب السوري بمفرده إلى تركيا، وفشل طوال هذه الفترة في لم شمل عائلته، وبعد أن تمكن اليأس منه، بدأ بدراسة الخيارات التي لا تزال متاحة أمام السوريين.

ظروف متشابهة

من بين دول قليلة -كاليمن والسودان وموريتانيا وماليزيا وهاييتي وجزر المالديف- لا تشترط على السوريين فيزا لدخول أراضيها، وقع اختيار ع. ش على ماليزيا لأسباب عديدة رصدها بعد متابعة وتقصي طويل تخلله تواصل مع السوريين هناك، وأهم هذه الأسباب بحسب ع. ش هو تكلفة المعيشة المقبولة التي لا تختلف كثيراً عنها في تركيا، بالإضافة لوجود عدد لا بأس من السوريين فيها، إلى جانب جاليات عربية أخرى. ويضيف، “وكذلك يُتاح لمن يرغب من السوريين التقدم بطلبات لجوء في المكاتب الأممية المفتوحة هناك”، في إشارة إلى منظمة الأمم المتحدة وفرصة إعادة التوطين في بلد آخر خارج ماليزيا.

ويستدرك “الحياة هناك تشبه إلى حد كبير الحياة في تركيا، وهي تركيا ثانية بسلبياتها أيضاً”، ويوضح (ع ش) ما يعنيه، قائلاً “كما يعمل السوري بأجر منخفض عن قرينه التركي، يعمل السوري في ماليزيا، وهو غير مرغوب به”.

ويبيّن أن غالبية السوريين يعملون دون الحصول على تراخيص قانونية، وهو نوع العمل الذي يُسمى هناك بـ”العمل الأسود”، أي الذي يكون بعيداً عن أنظار السلطات الماليزية.

 

إجراءات

تمنح ماليزيا للسوريين الواصلين إلى مطاراتها فيزا سياحية مدتها ثلاثة أشهر قابلة للتجديد شرط مغادرة الأراضي الماليزية مدة ثلاثة أيام، يقضيها السوريون في بلدان مجاورة لا تشترط تأشيرة على دخول أراضيها، مثل “جزر المالديف” المجاورة لماليزيا.

ويعامل القانون الماليزي الشخص الذي ينهي الشهور الثلاثة بدون تجديد الإقامة السياحية، على أنه شخص مخالف، ويطبق بحقه عقوبات من بينها السجن لمدة تترواح بين يوم وثلاثة أشهر، تتنهي بالترحيل القسري إلى سوريا أو إلى دولة أخرى تستقبل السوريين بدون تأشيرة، لكن بالرغم من ذلك فإن كثيراً من السوريين هناك هم من المخالفين.

ولا تنطبق مدة الشهور الثلاثة على من يحالفه الحظ في استصدار إقامة مدتها عام كامل قابلة للتجديد، بشرط وجود كفيل ماليزي الجنسية، كما هو النظام المعمول به في بلدان الخليج.

ويتعين على من يريد استصدار إقامة العمل أن يغادر الأراضي الماليزية، حتى ينهي إقامته السياحية التي لا تخوله العمل، ويستبدلها بإقامة عمل.

سوق العمل

تعتبر ماليزيا من أكثر الدولة الآسيوية جذباً للاستثمارات الأجنبية و العربية وتحديداً الخليجية منها، وهي من البلدان التي لا تعاني مشكلة البطالة.

لكن ومع ذلك فإن فرصة الأجنبي في الحصول على عمل فيها، أمر بالغ الصعوبة، نظراً للشروط الصعبة (اللغة المالوية، الصينية) التي تتطلبها غالبية الشركات التي يتحكم بمعظمها الصينيون، وأما الجانب الآخر فيتعلق بكثرة أعداد الخريجين الجامعيين المتدرّبين المحليين.

ولذلك يعمل السوريون هناك غالباً في مجال المطاعم المملوكة لمستثمرين من جنسيات عراقية وليبية وخليجية وسوريّة، كما تؤمن المشاريع التجارية الصغيرة عدداً مقبولاً من فرص العمل.

تأسيس شركة

يستطيع السوري أن يؤسس لعمل مناسب له في ماليزيا بالمبلغ نفسه الذي يدفعه للوصول الى أوروبا، و يستطيع المستثمر افتتاح فرع لشركاته  بصيغة مكاتب تمثيل تجاري، الأمر الذي يخوله الحصول على ثلاث إقامات لمدة عام كامل له ولعائلته، وفقاً للناشط السوري عروة فاضل.

ويوضح فاضل أن تأسيس شركة أمر متاح بمبالغ زهيدة في جزيرة “ليبوان”، كما أن التأسيس لا يتطلب مكتباً أو مقراً للشركة، شريطة دفع ضريبة الدخل.

بالمقابل فإن تأسيس شركة تجارية برأس مال قدره 500 ألف رنجت (العملة الماليزية المحلية علماً أن الدولار يساوي 4.4 رنجت) مع وجود شريك ماليزي أو شركة تجارية أجنبية، يمنح إقامة لمدة سنتين.

سلبيّات وإيجابيّات

أسامة الزير أحد السوريين المقيمين في العاصمة الماليزية كوالالمبور، يتحدث لـ”صدى الشام” عن تجربته في ماليزيا، فيقول “تعاني الشريحة الأوسع من السوريين من عدم مقدرتها على الانفتاح التجاري والخوض في الأعمال الحديثة المصرفية والبنكية والسياحية، ولذلك غالباً ما يكون نشاطهم التجاري محصوراً بالمطاعم والماركات الغذائية، وتجد الأجور منخفضة جداً ولا تتجاوز الـ500 دولار أمريكي”.

ويضيف “كذلك يخلط الشعب الماليزي بين السوريين والعرب، لذلك غالباً ما تكون النظرة للسوريين سيئة بالمجمل”، ويوضح “العرب الذين يذهبون إلى ماليزيا يقصدونها بهدف السياحة والبحث عن الرفاه، بينما هذا الوضع لا ينطبق على السوريين”.

ويؤكد من جانب آخر، أن الماليزيين لا يتعاطون  بالشأن السوري، ويميلون بشكل تقليدي إلى الاهتمام بالعمل فقط.

أما على الصعد الإيجابية، يشير الزير إلى طبيعة البلاد الخلابة، ودرجة الأمان العالية التي تسود البلاد، بعكس ما يشاع.

والأهم من ذلك وفقاً للزير، “أن المجتمع الماليزي لا يحب التعاطي في شؤون الآخرين، وهذا ما يمنح للأجنبي فيها درجة عالية من الراحة النفسية والاستقرار”.

وضع اقتصادي

لا يخفى على المتابع أن معظم السوريين يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة في ماليزيا، وتعليقاً على ذلك يقول ع. ش “غالبية السوريين المقيمين في ماليزيا من الذين تحدثت إليهم كانوا ينصحوني بعدم القدوم إلى هذا البلد”، ويستدرك “لكن أعداد السوريين هناك في ازدياد رغم الضنك الاقتصادي، ونحن كسوريين لربما صارت الصعوبات مِلحَ حياتنا”.

ويختم بالإشارة إلى أن عائلته تستعد للسفر من دمشق إلى ماليزيا، في غضون أسبوع من الآن.

وتغيب الإحصائيات والتقديرات الرسمية وغير الرسمية الخاصة بأعداد السوريين المقيمين في ماليزيا، فيما يتوزع القسم الأكبر منهم على العاصمة كوالالمبور وضواحيها.




المصدر