أغرَقهم بالوحول



تندّر السوريون كثيرًا بما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم عام 2013، يوم قال إن النظام السوري سيُغرق المجتمع الدولي بالتفاصيل. وهو طبعًا -حاله كحال أي مسؤول سوري حكومي- لم يتحدث من رأسه، بل نطق بلسان حال النظام السوري وأجهزته الأمنية، لكن لسان الوزير -غير المحبوب من المؤيدين كما المعارضين- نقلَ حينذاك نصفَ الحقيقة، ولم يقل إن النظام السوري سيُغرق المجتمع الدولي والمنطقة وسورية كلّها في الوحول، وسيُدمّر استقرار منطقة برمّتها، من أجل كرسي.. كرسي واحد لا غير.

منذ أن نطق المعلم جوهرته، بدأ يرتسم سيناريو إغراق المنطقة بالوحول، وعمل النظام السوري، ببرمجة دقيقة وحريصة، على ذلك، وبأسرع الطرق وأسوئها وأكثرها دموية وفوضوية وعبثية وإنكشارية ولا مسؤولية، وطبعًا لا وطنية.

منذ ذلك الوقت، بدأ النظام السوري مستوًى آخر من الإجرام، وقام بمجازر ضد الشعب المسكين، فقتل ودمّر وهجّر، وسوّى مدنًا بالأرض، ولم يُبقِ تاريخًا إلا وطمسه، ولا زرعًا إلا وحرقه، ولا قبرًا إلا ونبشه.

منذ ذلك الوقت، استجلب النظام السوري رعاعَ العالم وحثالته، وفتح أبواب سورية لتُستباح، من إيران وميليشياتها ومرتزقتها وقتلتها وسفلتها ومرضاها النفسيين، وأولئك المُعبّئين أيديولوجيًا وطائفيًا وعرقيًا، ورهن البلدَ للروسي، وصمت عن انتهاكات الإسرائيلي، وطأطأ رأسه للأميركي، وعادى العربي واحتقره، وأهان الأوروبي وخسره.

منذ ذلك الحين، بدأ النظام السوري بإرسال أبناء طائفته إلى المحارق، مجانًا ودون حساب؛ ليموتوا بعشرات الآلاف، من أجل أن تحيا فئة منهم، من أجل بضع أُسرٍ وأشخاص، ومناصب يتشبّث بها ثلّة تستخدمهم لحماية كرسيّها.

منذ ذلك الوقت، عمل النظام السوري على تطييف الصراع، بكل أوجهه، وأنعش الهمجية المذهبية، وبعَث النزعات الإثنية والعرقية في المنطقة كلها، وجذب إرهابيي العالم وجعلهم ضيوفًا في بلد، وأكرمهم وساعدهم وسهّل أعمالهم، ونسّق معهم، بل إنه -في أحيان كثيرة- حماهم وحامى عنهم.

منذ ذلك اليوم، بدأ النظام السوري يُحيي علاقاته الخاملة مع عصابات الجريمة في كل مكان، ويُفعّل خلاياه النائمة في أنحاء العالم، وخلايا حلفائه، بغطاء ديني وعرقي وعقائدي، وينثر بذور الإرهاب في أرض المنطقة وفي العالم، ويُقلق الدنيا بالإرهاب.

أثقل النظام السوري دولَ الجوار باللاجئين، وخرّب الحدود وتركها مشاعًا، وحرّك غرائز الانفصال، وعمّق التعصب القومي والديني والمناطقي في الشرق الأوسط كلّه، ودمّر مفاهيم الدولة والجمهورية والدستور والوطن، واحتقر المبادئ الإنسانية التي رتّبها البشر طوال قرون.

منذ ذلك اليوم، أهان النظام السوري كرامَ القوم، وأكرم حثالتهم وأنذالهم وأراذلهم، وقسّم سورية والمجتمع، وفق معيار قوة الغرائز، وأفرز شرائح دونيّة وليدة، وأمراء حرب، وأغنياء جدد، وآكلي جيف، ونابشي قبور، ومرضى نفسيين، لا شفاء منهم ولا لهم، وكل ذلك، من أجل كرسي واحد.

أغرق نظام الأسد سورية والمنطقة والعالم بالوحول، وسيُغرقها أكثر، سواء عاد إلى قوّته السابقة أم بقي ضعيفًا، كما هو الآن، وسيبقى هذا النظام مرضًا عضالًا. وليس من مصلحة السوريين فحسب بل من مصلحة شعوب المنطقة ودولها، بل العالم كلّه، أن يزول إلى غير رجعة، وأن يبدأ السوريون بترميم ما تبقّى من أطلال بلد، وأطلال إنسان، وأطلال حضارة سادت ثم بادت في زمنه.




المصدر
باسل العودات