فزغلياد: على الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاعتراف بالقوى النووية الجديدة



الصورة: وكالة أنباء رويترز

يجب إضفاء صفة الشرعية على كافة الدول النووية. هكذا كان الاقتراح الذي تقدم به الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف. وفي حين يجب الاعتراف بوجود خصوم كثر لهذه الفكرة، لكن البديل عنها غير موجود. لقد حان الوقت للتوقف عن التظاهر بأن هناك 5 دولٍ نووية فقط في العالم. علاوةً على ذلك، ما الفائدة من إنكار مثل هذه الحقيقة؟ أما الضرر فكثير، كما أظهرت الأزمة الأخيرة مع كوريا الشمالية.

قال رئيس كازاخستان، نور سلطان نازارباييف: “أقترحُ إضفاء الشرعية على حال جميع الدول، التي تمتلك أسلحةً نووية، بحكم الأمر الواقع، والدعوة إلى عقد قمةٍ لجميع الدول التي تمتلك السلاح النووي؛ لمناقشة حل لهذه المشكلة العالمية معًا”.

جاء هذا الاقتراح في كلمةٍ ألقاها نازارباييف في أستانا، في أثناء مراسم افتتاح بنك اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يتخذ من مدينة أوست- كامنغورسك مقرًا له. في الوقت نفسه، عبر الرئيس الكازاخستاني عن القلق، بسبب تجارب الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي لكوريا الشمالية.

تطلعات الرئيس نازارباييف للتوصل إلى حظر القنابل النووية معروفة للجميع. وفي هذه المرة، وصف السلاحَ النووي بأنه “إعدامٌ لجميع البشرية”، معلنًا امتلاك 9 دولٍ لـ 16 ألف وحدة سلاحٍ نووي، وقال: “أقلّ من واحدٍ بالمئة من هذه الأسلحة كفيلٌ بتخريب المناخ والتسبب بمجاعةٍ شاملة.. إنه انتحارٌ جماعي”.

يرى نازارباييف أن طريق الوصول إلى فرض حظرٍ على السلاح النووي هو أن يستقبل العالم عام 2045، من دون أي قنبلةٍ ذرية، من خلال التطبيق الدقيق للاتفاقات الدولية، كاتفاق عدم انتشار السلاح النووي الذي “لم يلبِّ الآمال المعقودة عليه، ولا سيّما أن دول النادي النووي الخمس لا تقوم بكشف المعلومات عن برامجها النووية بصورةٍ طوعية. أما الدول الأخرى فتقدم معلوماتٍ شاملة لبنك اليورانيوم منخفض التخصيب؛ لذا يجب خفض مستوى عدم التوازن في مقاربات الدول الخمسة النووية وبقية العالم”. الخطوة الأولى، على الطريق لتحقيق ذلك، يجب أن تكون الاعتراف بالحقائق الجديدة؛ ففي العامل الواقعي، ليس هناك خمس دول نووية فحسب، بل تسع دول، ويجب إضفاء الشرعية على جميع الدول النووية. أي يجب أن نضيف إلى الدول الخمسة النووية العظمى (الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) أربعَ دولٍ أخرى هي (الهند، باكستان، “إسرائيل” وكورية الشمالية). الأمر لن يكون سهلًا، غير أنه كلما عُجّل فيه؛ كانت حظوظ وقف انتشار السلاح النووي أكبر.

تم التوقيع على اتفاقية عدم انتشار السلاح النووي، من قِبل ثلاث دولٍ، من بين خمس دولٍ نووية في عام 1968، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ عام 1970، وانضمت إلى التوقيع عليه الصين وفرنسا عام 1992. ولكن في حقيقة الأمر، استمر النادي بالتوسع. في عام 1974، حصلت الهند على القنبلة النووية، و”إسرائيل” في نهاية السبعينيات، ومع نهاية التسعينيات امتلكتها باكستان. أما كوريا الشمالية، فأصبحت دولة نوويةً في عام 2006، حيث عانى العالم من مشكلات هي الأكثر تعقيدًا معها بالتحديد. ولهذا، وخلافًا لبقية الدول التي حصلت على السلاح النووي؛ قررت الولايات المتحدة ممارسة الضغط عليها، مع العلم أنها حتى لم تحاول فعل الشيء نفسه مع الثلاثة الأخرى. أول الدول الثلاث التي حصلت على السلاح النووي هي الهند. وكانت رغبة الهند مفهومةً، إذ إنها خاضت في عام 1962 حربًا مع الصين. وبعد مرور عامين على هذه الحرب، أجرت الصين تجربةً نووية ناجحة على قنبلتها؛ ما شكل حافزًا لتسريع برنامج الهند النووي، وكذلك برنامج جارتها اللدود باكستان. انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن العشرين، أجبر كوريا الشمالية على الاهتمام بنفسها، من خلال إعداد سلاحها النووي الخاص بها.

كان لدى كوريا الشمالية برنامجها النووي الخاص من قبل، ولكنه كان في البداية ذا طابعٍ سلمي، أما التطبيقات العسكرية فقد كانت من “باب التحسب والحيطة”. حتى إن بيونغ يانغ وقعت في عام 1985 على اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية. في ذلك الحين، كانت كوريا الشمالية تعتمد على غطاء الأسلحة النووية في الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية، الدولتين الجارتين الصديقتين اللتين كانت كوريا (الدولة الصغيرة) تشعر بالأمان بينهما. ولكن بعد أن ظهرت، مكان الاتحاد السوفيتي الصديق الأيديولوجي، روسيا الميالة للغرب، وبعد أن بدأت الصين تمد جسور علاقاتٍ وثيقةٍ مع كوريا الجنوبية، دبّ القلق في نفوس الشيوعيين في الشمال الكوري على سيادة بلادهم؛ فبدؤوا بصنع القنبلة النووية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية سحبت أسلحتها النووية من كوريا الشمالية، إلا أنها أبقت قواتها العسكرية، وتغير ميزان القوى في العالم لغير صالح كوريا الشمالية. وبهذا لم يؤد تشديد الرقابة من قبل وكالة الطاقة الذرية وتصاعد ضغط الولايات المتحدة الأميركية إلا إلى زيادة تصميم جمهورية كوريا الشمالية على امتلاك قنبلتها النووية الخاصة. في عام 2001، صنفت الولايات المتحدة الأميركية كوريا الشمالية ضمن “محور الشر”، وبعد خمس سنواتٍ، ظهرت في بيونغ يانغ القنبلة النووية إلى الوجود. عند هذا الحد توقف توسع أعضاء النادي النووي في الوقت الراهن.

من بين دول “النادي النووي” التسع، دولة واحدة فقط لا تعترف بامتلاكها قنابل نووية. إنها “إسرائيل” التي صنعت القنبلة النووية في نهاية السبعينيات، والذريعة مفهومة في هذه الحالة أيضًا؛ ذلك أن الحروب العربية الإسرائيلية كانت مستمرة، وكان آخرها حرب عام 1973، وكانت ستؤدي -عاجلًا أم آجلًا- إلى هزيمة الدولة اليهودية؛ وأصبح السلاح النووي ذريعةً إضافية في صالح إبرام اتفاقية السلام مع مصر. اتفاقية السلام أُبرمت، قبل إنتاج “إسرائيل” قنبلتها النووية، ولكن العمل عليها لم يكن سرًا، لمن كان يريد أنْ يعرف بشأنها.

من المفهوم أن الولايات المتحدة الأميركية لم تمارس أي ضغطٍ على “إسرائيل”، حليفها المقرب، ولا على باكستان، أحد حلفاء واشنطن العسكريين، بسبب حصولهما على القنبلة النووية (أما الضغط على الهند فهو بلا جدوى). ولكن ليس لأن خطر استخدام الدولة اليهودية أو الجنرالات الباكستانيين كان ضئيلًا، بل لأن هذه الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية يقودها -بشكلٍ أو آخر- نخبٌ يمكن التحكم بها. أما كوريا الشمالية فهي دولة غير تابعةٍ بالكامل، وسبق لها أن خاضت حربًا طاحنة معها. ولذلك بدا للولايات المتحدة أن منعها من امتلاك سلاحٍ نووي أمرٌ جوهري، إضافةً إلى ذلك، في الوقت الذي بدأت واشنطن الصراخ حول برنامج كوريا الشمالية النووي، كان وضع روسيا والصين على الساحة الدولية ضعيفًا. من ناحيةٍ أخرى، يبدو واضحًا أن موسكو وبكين حريصتان على عدم انتشار السلاح النووي في العالم، ولا ترغبان في وجود مثل هذا السلاح بحوزة دولةٍ جارةٍ لهما؛ ولهذا لم يكن صعبًا ضمهما إلى صف المُدينين لـ “القنبلة الكورية”.

ومع ذلك، تمكنت كوريا الشمالية عام 2006 من صنع القنبلة، والآن أصبحت تمتلك وسائل إيصالها إلى أراضي الولايات المتحدة نفسها. وكانت كوريا الشمالية تزيد من تسلحها بتناسبٍ طردي مع تزايد الضغوطات الأميركية عليها. ولا خطر من استخدام كوريا الشمالية للسلاح النووي، أما تصوير كيم كمجنونٍ أو مهووس، فإن أستوديوهات هوليوود هي فقط من يستطيع أن يفعل ذلك. ويجب الاقتناع بأن نزع السلاح النووي الكوري أمرٌ غير ممكن. وهي لن تتخلى عنه طواعيةً، وفي أفضل الأحوال، يمكن أن تتطور الحرب معها بسرعةٍ، كما في حرب 1950، إلى حربِ أميركية-صينية، وفي أسوأ الأحوال، إلى حربٍ نووية.

لهذا؛ قد يكون الاعتراف بوضع كوريا الشمالية النووي خطوةً مهمةً؛ لإقامة عالمٍ جديدٍ متعدد الأقطاب. ومن الضروري أيضًا، إجراء إصلاحٍ لمجلس الأمن، بحيث يعكس الوضع الحقيقي للقوى في العالم، على سبيل المثال، إدخال أعضاءٍ دائمين جُدد كالهند، البرازيل، اليابان، ممثلين عن العالم العربي، الإسلامي والأفريقي. ومن الضروري أيضًا إضفاء الشرعية على “النادي النووي”؛ لمنع تواصل انتشار الأسلحة النووية في العالم.

كيف القيام بذلك؟ في البداية، على الأقل إعطاء كوريا الشمالية ضماناتٍ بعدم الاعتداء عليها، بدلًا من الإعراب عن السخط والشجب لكل اختبار للصواريخ والقنابل النووية.

اسم المقالة الأصلية США и Россия должны признать новые ядерные державы كاتب المقالة بيتر أكوبوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 30 آب 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/politics/2017/8/30/884857.html ترجمة سمير رمان




المصدر
سمير رمان