on
مفتيات للمرة الأولى… في السعودية
أدخلت 107 أصوات، المرأة السعودية عالم «الإفتاء»، وذلك بعد اقتصار الفتوى داخل المملكة طوال ٤٥ عاماً على الرجال من الاختصاصيين في الشريعة الإسلامية، ويختارون بأمر ملكي، إذ وافق مجلس الشورى أخيراً على توصية تقدّمت بها إحدى عضواته، تتضمن مشاركة الأكاديميات الاختصاصيات في الفقه بمناشط الرئاسة العامة للإفتاء، والتي تعتبر الهيئة الحكومية الوحيدة المخوّلة بإصدار الفتاوى في المملكة.
فلم تعد الفتوى في السعودية حكراً على الاختصاصيين في الشريعة الإسلامية، إذ طالبت عضوات بمجلس خلال جلسة عقدت في آذار (مارس) الماضي بألّا يقتصر الإفتاء على المشايخ الرجال، وبإشراك أكاديميات اختصاصيات في أبحاث الفقه في الاستفتاء، وأشرن إلى الصحابيات المفتيات في أمور الحياة، إذ لم يقتصر إفتاؤهن على الحيض والعدة.
كما طالبن رئاسة الإفتاء بزيادة التواصل مع وزارة الثقافة والإعلام والقنوات الفضائية، وقنوات التواصل الاجتماعي، لإعداد مواد مرئية عالية الجودة للقضايا التي يدور حولها جدل واسع في المجتمع، مثل «ولاية المرأة» و «قوامة الرجل».
وفي الجلسة الـ٤٩ المنعقدة برئاسة رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ، وافق المجلس على التوصية، بـ107 أصوات، وذلك إثر الاستماع إلى وجهة نظر لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في شأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم تجاه التقرير السنوي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء للعام المالي 1436-1437هـ.
وأكدّ المجلس أن على الرئاسة العامة للإفتاء فتح أقسام نسائية مستقلة، وتعيين الاختصاصيات المؤهلات للفتوى بها، مع توفير المتطلبات البشرية والمادية، مطالباً الرئاسة العامة للإفتاء بإشراك الاختصاصيات في العلوم الشرعية في بعض أعمالها، كالاستكتاب في البحوث، والمشاركة في المناشط العلمية. كما طالب بدرس إمكان إنشاء أوقاف تابعة للرئاسة، والعمل على وضع آلية لمتابعة تنفيذ الأمر القاضي بتنظيم الفتوى.
وقوبلت موافقة مجلس الشورى على توصية مشاركة الأكاديميات في الفقه، بترحيب كبير وسط الاختصاصيين في الشريعة والفقه الإسلاميين، إضافة إلى ترحيب المجتمع عموماً، ما يؤكّد الحاجة إلى وجود مفتيات داخل هيئة كبار العلماء السعودية، وألّا يقتصر عمل المرأة الاختصاصية في الشريعة والفقه على المناشط الدعوية والدروس الفقهية والأكاديمية.
وأوضح أستاذ السياسة الشرعية في كلية نايف للأمن الوطني الدكتور سعد القويعي لـ «الحياة» أن إشراك المرأة الأكاديمية الاختصاصية في الفقه الإسلامي وأبحاث الفقه في الإفتاء والاستكتاب في البحوث والمشاركة في المناشط العلمية هو أحد الأطروحات المهمة التي تُناقش بين أفراد شرائح المجتمع، كونه يعالج مواقف كثيرة تتطلّب وجودها، وحفاظاً على خصوصية المرأة، فهي أعلم من الرجل في ما يخص قضاياها، سواء من ناحية البيان أم من ناحية ممارسة تلك المهمة إذا اقتضى الأمر ذلك، كالمدافعة وتصحيح الأخطاء التي تقع. وقال القويعي: «أصبح تأكيد عمل المرأة في مجال الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء مطلباً مهماً تستدعيه الشريعة الإسلامية وفقه الواقع، وتحكمه قاعدة المصالح والمفاسد من أجل التوازن بين الجنسين، من دون إغفال أن لكل دوره، إذ إن توظيفها في هذا الميدان يضمن دخول عناصر جديدة ويحسّن نوعية الخدمة المقدّمة لمن يحتاج إليها متى عززنا جهود المنتسبات بالتأصيل والتدريب والتطوير. وستكون مساحات التطبيق واسعة جداً، باعتبار أن وجودهن سيسد نقصاً في الوصول إلى تلك الشرائح، فالإسلام لم يكن ليقتصر على تكليف الرجل فقط بالإفتاء».
وأشار القويعي إلى أن مسألة إفتاء المرأة فيها خلاف بين أهل العلم وطلبته، مؤكداً أنه فيها سائغ، إذ إن من طبيعة البشر الخلاف، لاختلافهم في العلم والفهم، مضيفاً: «ومحاولة جمع البشر على قول واحد ورأي واحد ووضعهم في قالب واحد خلاف سنة الله، إلا أن مفهوم عمل المرأة في تلك المجالات سيدعمه العمل الاحتسابي المكتبي، وهو قائم على حماية جناب الشريعة ونشر العلم الشرعي وتحقيق الأمن المتعلّق بالضرورات الخمس، وعندما نطوّر وسائل الإفتاء، وأساليبه وتنويعها، من خلال فهم فقه الفتوى وضوابطه وأحكامه، سندرك تماماً أن من ميزة الاختلاف في المسألة أنه ولّد حافزاً للتفكير ومساحة للنقاش، باعتبار أن عمل المرأة في الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء سيكون في مجال نشر العلم والتوعية، وإعطاء جرعات تحصينية في العلم لمثلها».
وتابع القويعي: «كما يؤكّد عمل المرأة في هذا المجال أهمية استشعار أزمة البطالة عند المرأة السعودية، ما يستوجب استحداث قرارات فاعلة تسهم في حل ذلك الإشكال على المدى الطويل، من خلال إيجاد عدد كبير من الوظائف». كما أن هذه التوصية تفتح آفاقاً جديدة لحل مشكلة البطالة بين النساء، تضمن حق المرأة في الحصول على بيئة عمل مرنة وآمنة، وفق ما تسمح به نظم الشريعة الإسلامية، لا سيما ونحن نلحظ زيادة في أعداد الخريجات في شكل سنوي، أصبح ذلك مطلباً مهماً وحقاً مشروعاً، من أجل القضاء على البطالة وتفعيل دور المرأة في التنمية الوطنية بكل إيجابية.
بدوره، قال الأكاديمي الاختصاصي في السياسة الشرعية الدكتور محمد البيشي لـ «الحياة»: «تعتبر المرأة في المجتمع الإسلامي شريكاً أساسياً ومحورياً في البناء التنموي والإسهام في كل ما يخلق توازناً في قضايا الشأن العام، وحاجات المرأة في صورة أدقّ». وزاد: «جاءت مطالبة مجلس الشورى الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بإشراك العنصر النسائي في بعض أعمالها، كالاستكتاب في البحوث والإفتاء في ما يتعلّق بمسائل العبادات ونوازل التعاملات المالية والأحوال الشخصية وقضاياها المتجددة، التي تعتبر من خصوصيات المرأة، فضلاً عن القيام بأعباء المناشط العلمية، متماشياً مع الواقع الشرعي في تاريخ الدعوة والفقه الإسلامي والإفتاء، مما قدمته المرأة من تُراث علمي، بصفتها فقهيةً ومُحدِّثة، وملامساً للنقص الذي يعاني منه المجال الدعوي النسائي».
ولفت البيشي إلى وجود عدد من الرسائل العلمية الأكاديمية (ماجستير ودكتوراه) والأبحاث المُحكّمة للمرأة، عالجت فيها محاور الدراسة باستيفاء، وخرجت بنتائج مهمة استطاعت جهات عدة تطبيقها بكفاءة في خدمة نشاطاتها المتعلقة بالجانب النسائي. وتابع: «تأتي هذه المطالبة متوافقة مع ما تشهده المملكة من نهضة شاملة في مختلف المجالات والميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية الشرعية. كما أنَّ التقلبات والتحولات العالمية والإقليمية فرضت على مؤسسات الإفتاء والمراكز العلمية والبحثية تطوير برامجها ومناهجها، واستحداث اختصاصات جديدة تتوافق مع المجرى المتغيّر، وإدخال المرأة المُتّصفة بمَلَكة فقهية متمكنة من فهم كلام المجتهدين، وقادرة على التخريج الفقهي أو الاستنباط في القضايا المستجدة طبقاً للقواعد المقررة لذلك، لصد التدخّل الخارجي من جهات تعالج قضايا المرأة السعودية على غير مراد الشريعة السمحة ونظام هذه البلاد وما سارت عليه».
ومما يرجى من هذه المطالبة للمجلس وفق البيشي، هو إيجاد طالبات علم شرعي يحملن على أكتافهن تنوير النساء، والوفاء بمشكلاتهن درساً وتأصيلاً وحلاً شرعياً مناسباً، وما أجمل ما ذكره الدكتور وهبة الزحيلي في كلام عن المشتركات العلمية بين الجنسين، بقوله: «ولا بدَّ مِن التنويه مسبقاً بأن معظم أحكام الشريعة الغراء، يشترك فيها الرجال والنساء معاً بالتساوي، وهذا يصل إلى 90 في المئة من العقيدة والفقه والأخلاق، ثم يأتي الاختلاف بينهما في 10 في المئة، لتأخذ المرأة 5 في المئة في ما يختص بها، ويأخذ الرجل 5 في المئة في ما يتعلّق به، وهذا الاختصاص نبع أصلاً من الاختلاف الفطري».
المصدر