مجددًا الغوطة الشرقية تقرع أبواب الضمير



ينظّم ناشطو الغوطة الشرقية حملةً بعنوان (الأسد يحاصر الغوطة)؛ بهدف لفت أنظار العالم إلى المأساة المتواصلة بفعل استمرار الحصار والقصف على المنطقة التي يقطنها ما يقارب نصف مليون إنسان، يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية.

من المفترض أن تبدأ الحملة غدًا الإثنين، وطالب منظموها بمشاركة السوريين كافة، في جميع أماكن تواجدهم؛ علّ الحراك المدني يدفع المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية إلى التحرّك وتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية؛ بما يقود إلى إجبار النظام السوري وحلفائه على رفع الحصار المتواصل منذ نحو خمس سنوات.

قال الناشط أحمد الدومي لـ ( جيرون): “تعدّ الحملة صرخة جديدة لمحاولة تجنب كارثة إنسانية بحق نحو 400 ألف إنسان محاصرين في الغوطة. الحصار أنهك البشر، والهيئات الطبية تكاد تعلن عجزها الكامل عن استقبال أي حالة نتيجة شبه انعدام الأدوات والأدوية، كثير من المواد الغذائية مفقودة في الأسواق، وفي حال وجودها فإن أسعارها فلكية، ولا يمكن للأهالي شراؤها، ومؤخرًا طالبت قوات النظام التي تحاصر المنطقة، بفرض ضريبةٍ وصلت إلى 2000 ليرة سورية على الكيلو غرام الواحد من المواد، إن كانت ستمسح بدخولها”.

أضاف الدومي: “قضى منذ ثلاثة أشهر تقريبًا نحو 13 طفلًا في الغوطة، وهناك مئات آخرون يقاسون أوضاعًا حرجة للغاية، لدينا 500 مريض بالسرطان في انتظار الموت، لعدم توفر أي أدوية تخفف عنهم، فضلًا عن مئات الأمراض المزمنة كالسكري والقلب وغيرها. النظام يحاول أن يجعل الغوطة سفيرًا للموت ومقبرة لمئات آلاف المدنيين، فهل يقبل العالم ويحتمل ذلك؟!”.

قال الناشط أبو محمد الدمشقي: “ربما تكون هذه الحملة أشبه بصرخة غسان كنفاني (اقرعوا الخزان)، نحن نحاول هنا أن نقرع أبواب الضمير؛ إن كان هناك بقية من وجدان أو إنسانية في هذا العالم، هل عجزت الأمم عن إجبار الأسد على رفع الحصار وإدخال المواد الطبية والإنسانية إلى الغوطة؟ اليوم الجميع شريك بهذه الجريمة، ولا أحدَ بريء من دمائنا، لا بديل من الضغط على المجتمع الدولي، نحن نحاول ونطالب من الجميع أن يشاركنا هذه الحملة، لن نيئس طالما أننا ما زلنا نتنفس؛ علّ أحدًا يوقف مواكب الموت الجماعي في الغوطة في حال استمر الحصار”.

لا تتوقف أبعاد الحصار عند التداعيات الإنسانية، حيث يعتبر الكثير من فاعليات الغوطة الشرقية أن النظام وحلفاءه يحاولون -من خلال إطباق الحصار- تركيعَ الحاضنة الاجتماعية داخل المنطقة وإجبارها على القبول بما رفضته سابقًا، وبالتالي تحقيق ما عجزت قواته وميليشيات طهران بدعم جوي روسي عن تحقيقه خلال السنوات الماضية.

في هذا الصدد، قال الدمشقي: “بالتأكيد، الحصار هو أداة إضافية للنظام وحلفائه، هدفها إجبار المحاصرين على الرضوخ لشروطهم، الغوطة دخلت مناطق خفض التصعيد بضمانة روسية، وهو ما يؤكد أن موسكو هي عرّاب مشاريع التهجير القسري في سورية، وتحاول دائمًا أن تسحق معاقل الثورة في دمشق التي لم يبقَ منها سوى الغوطة، وبدرجة أقل جنوب العاصمة، وجيب صغير في الغرب (منطقة بيت جن وما حولها)”.

من جانب آخر، عدّ رئيس الهيئة العامة في الغوطة الشرقية محمد سليمان دحلا سلاحَ الحصار وتجويع الأطفال وعموم المواطنين وحرمانهم من الغذاء والدواء ومقومات البقاء سلاحًا قذرًا، يكاد يفوق بقذارته أسلحة الدمار الشامل، ويوازي جرائم الحرب في القانون الدولي، وقال في هذا الصدد: “لا شك أن فشلَ النظام في اقتحام الغوطة الشرقية وعجز قوات النخبة متمثلة بالحرس الجمهوري لبشار الأسد ومعه الفرقة الرابعة لماهر الأسد، في إحراز أي تقدّم يحفظ ماء الوجه أمام صمود مقاتلي الجيش الحر على جبهات الغوطة، دفعهم إلى  تشديد الحصار وإغلاق المنافذ بشكل تام؛ ما جعل نصف مليون محاصر يواجهون خطر الموت، بسبب نقص الغذاء والدواء، أمام تواطؤ واضح من أصدقاء الشعب السوري قبل أعدائه؛ وبذلك ضرَب النظام عرض الحائط بالتفاهم الروسي الأميركي لمناطق (خفض التصعيد)، ولم يلتزم بأي بندٍ من الاتفاقات الموقعة مع فصائل الغوطة، كما تنصّل حليفه وضامنه الروسي من إلزامه بذرائع واهية؛ ما يجعل تلك الاتفاقات لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت فيه، ويُظهر الضامن الروسي على حقيقته الأولى، ووجهه الذي لم يتغير كداعم للنظام ومشارك في الجرائم بحق الشعب السوري”.

شدد دحلا على أن “الغاية من إطباق الحصار مجددًا هي تركيع الغوطة وضمان استسلامها، كآخر المناطق الخارجة عن سيطرة النظام  في محيط العاصمة، إلا أن الغوطة مرّت بوضع مشابهٍ قبل ذلك، وكانت النتيجة أنّ أهلها ازدادوا إصرارًا وثباتًا، على الرغم من الألم الذي يفوق طاقة البشر على الاحتمال، ودفع ذلك الأمر مقاتليها إلى توحيد صفوفهم، والبحث عن الحلول باللغة التي يفهمها النظام المجرم، وأعتقد أن هذا ما سيحصل مجددًا”.

رأى الدمشقي أن “من المبكّر الحديث عن تهجير قسري للغوطة الشرقية، ففصائل الغوطة، على الرغم من انقساماتها، ما زالت حتى اللحظة تتمسك بالبقاء وترفض الخروج، وهذا واضح من خلال المعارك المتواصلة منذ أشهر على جبهات (عين ترما، جوبر، زملكا). السؤال الآن: هل ينجح الحصار في تأليب الحاضنة الشعبية على الفصائل؟ أعتقد أن هذا مستبعد، فالغوطة من أكثر المناطق السورية احتضانًا للثورة ومقاتليها، ولكن تبقى طموحات روسيا وحليفيها الأسد وإيران مركزة على إنهاء هذا المعقل، كما حدث سابقًا في داريّا وغيرها”. م. ش.


جيرون


المصدر
جيرون