‘واشنطن بوست: سرطان التطرف الإسلامي ينتشر في جميع أنحاء العالم’
7 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
يتجمع الناس دعمًا لحاكم جاكرتا السابق باسوكي تيهاجا بورناما في دنباسار، بالي، إندونيسيا. (ميد ناجي/ وكالة الصحافة الأوروبية)
سنغافورة
كان الهجوم الإرهابي المأسوي الذي وقع، هذا الأسبوع في نيويورك، نوعًا من حادثٍ معزول قام به رجلٌ مضطرب، ولا ينبغي أنْ يؤدي إلى تعميمات. في السنوات الستة عشر منذ 11 أيلول/ سبتمبر، أثبتت المدينة بشكلٍ مدهش أنَّها آمنةٌ من الجماعات والأفراد الجهاديين. ومع ذلك، يتحدثون عن ذلك للمسؤولين في هذا المركز العالمي الرئيس الذي يبعد 10000 ميل، وكانت الاستنتاجات التي توصلوا إليها مقلقةً.
قال وزير الداخلية السنغافوري، ك. شانموغام: “إنَّ هجوم نيويورك قد يكون وسيلةً لتذكيرنا جميعًا بأنَّ هزيمة (داعش) وقعت عسكريًا فحسب، بينما التهديد الأيديولوجي من الإسلام الراديكالي ينتشر، وكأنّما يتحرك الخط البياني في الاتجاه الخاطئ”.
إنَّ المعركة العسكرية ضدَّ الجماعات الإسلامية المتطرفة، في أماكن مثل سورية وأفغانستان، هي معركةٌ صعبة، لكنَّها كانت دائمًا حربًا لصالح الولايات المتحدة، وحلفائها. بعد كلّ شيء، القوات العسكرية المشتركة لبعضٍ من أقوى الحكومات في العالم ضدَّ عصابةٍ صغيرة من الميليشيات. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ التحدي الأيديولوجي الذي أبدته “الدولة الإسلامية” أثبتَ أنَّه أكثرُ شراسة؛ إذ تمكنت الجماعة الإرهابية، ومثيلاتها من الجماعات، من نشر أفكارها، وتجنيد الشبان، والشابات الساخطين، واختراق معظم بلدان العالم. ولا تزال البلدان الغربية عرضةً لعمليات (الذئب الوحيد) في بعض الأحيان، ولكن مناطق التكاثر الجديدة للتطرف هي مجتمعاتٌ مسلمة معتدلة في وسط، وجنوب شرق آسيا.
لنفكّر في إندونيسيا، وهي البلد الإسلامي الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، وهي تُعدّ منذ فترةٍ طويلة حصنًا معتدلًا. هذا العام، فقَد حاكم جاكرتا -عاصمة البلاد وأكبر مدينة- مساعيه لإعادة انتخابه، بعد أنْ وصفه المتشددون المسلمون بأنَّه غير صالحٍ للمنصب، لأنه مسيحي. والأسوأ من ذلك أنَّه سُجن بعد أنْ أُدين بتهمة التجديف المشبوهة، وغير العادلة. ووسط موجةٍ متصاعدة من السياسات الإسلامية؛ فشل الرئيس الإندونيسي “المعتدل”، ومنظماته الإسلامية “المعتدلة” الرئيسة، في الدفاع عن تقاليد البلد في التسامح، والتعددية الثقافية.
أو لننظر إلى بنغلاديش، وهي بلدٌ آخر بماضٍ علمانيّ خالص، حيث يعيش ما يقرب من 150 مليون مسلم. لقد أصبحت ثقافة بنغلاديش، وسياستها متشددةً على نحوٍ متزايد، على مدى العقد الماضي، وهي البلد الذي تأسس كمنشقٍ عن باكستان، لأسبابٍ غير دينية صراحةً. كما استُهدف الملحدون، والعلمانيون، والمثقفون بل قُتلوا، وتمَّ تطبيق قوانين التجديف، كما أدَّت سلسلةٌ من الهجمات الإرهابية إلى مقتل المئات.
لماذا يحدث هذا؟ هناك العديد من التفسيرات. فالفقر، والمصاعب الاقتصادية، والتغيير أمور تثير المخاوف. “الناس يشعرون بالاشمئزاز بسبب الفساد، وعدم كفاءة السياسيين. كما تستميلهم بسهولةٍ فكرة أنَّ (الإسلام هو الحل)، على الرغم من أنَّهم لا يعرفون ما يعنيه ذلك”، كما أوضح سياسي سنغافوري لي. وبعد ذلك، يقوم القادة المحليون بتحالفاتٍ مع رجال الدين، ومنح منصاتٍ للمتطرفين، بحثًا عن أصواتٍ سهلة في الانتخابات. لقد ساعد هذا العهرُ السياسي في تعزيز سرطان التطرف الإسلامي.
في جنوب شرق آسيا، تقريبًا جميع المراقبين الذين تكلمت معهم يعتقدون أنَّ هناك قضية حاسمة أخرى: تصدير الأموال والأيديولوجية من الشرق الأوسط، وبخاصة من المملكة العربية السعودية. حيث قال لي أحد المسؤولين السنغافوريين: “سافرْ في جميع أنحاء آسيا، وسوف ترى العديد من المساجد الجديدة، والمدارس التي بُنيت في السنوات الثلاثين الماضية، بتمويلٍ من الخليج. إنَّها حديثةٌ، ونظيفة، ومكيّفة، ومجهزة تجهيزًا جيدًا، وهي وهابية [النموذج المتشدد من الإسلام في السعودية]”. وأفادت التقارير مؤخرًا أنَّ المملكة العربية السعودية تخطط للمساهمة بما يقرب من مليار دولار، لبناء 560 مسجدًا في بنغلاديش، بينما نفت الحكومة السعودية ذلك، ولكن مصادر في بنغلاديش أخبرتني أنَّ هناك بعض الحقيقة في تلك التقارير.
كيفية تغيير هذا التوجه؟ يوضح شانموغام السنغافوري: إنَّ سكان سنغافورة العاصمة (15 في المئة منهم مسلمون) ظلّوا معتدلين نسبيًا؛ لأنَّ الدولة والمجتمع يعملان بشدة من أجل الاندماج. وأضاف: “إنَّنا لا نتسامح مع أيّ نوعٍ من التشدد، ولكننا نحاول أيضًا التأكد من أنَّ المسلمين لا يشعرون بالتهميش”. وتحصل سنغافورة -بصورة روتينية- على درجاتٍ عالية في التصنيف العالمي لشفافيتها، ومستويات الفساد المنخفضة فيها، وسيادة القانون، حيث يوفّر اقتصادها فرصًا لمعظم الناس.
لا تزال آسيا مستمرةً في التزايد، وكذلك التطرف الإسلامي هناك. ولا يمكن عكس هذا الاتجاه إلا من خلال حكمٍ أفضل، وسياسةٍ أفضل، من جانب القادة الأقل فسادًا، والأكثر كفاءةً، والأكثر استعدادًا للوقوف في وجه رجال الدين، والمتطرفين.
تحدث وليّ العهد السعودي الجديد، الأسبوع الماضي، عن تحول مملكته إلى “الإسلام المعتدل”. وقد سخر الكثيرون من ذلك كاستراتيجيةٍ للعلاقات العامة، مشيرًا إلى استمرار سيطرة المؤسسة الدينية المتشددة في المملكة.
إنَّ مقاربةً أفضل ستكون بتشجيع ولي العهد، وبأنْ نذكّره بوعده، ونحثّه على المتابعة عبر إجراءاتٍ ملموسة.. هذه هي الجائزة. وأنْ تبدأ السعودية الإصلاح الديني في بلدها، فهذا سيكون أكبر انتصارٍ ضد الإسلام الراديكالي من كلّ التقدم في ساحة المعركة، حتى الآن.
اسم المقالة الأصلي
The cancer of Islamist extremism spreads around the world
الكاتب
فريد زكريا، Fareed Zakaria
مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 2/11
عدد الكلمات
710
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة
[sociallocker]
جيرون