خفض التصعيد في الجنوب.. “ديكتاتورية” الجغرافيا



تحتل منطقة “خفض التصعيد”، في جنوب سورية درعا، مرتبةً ذات حساسية، بالنظر إلى الكثير من الأمور المرتبطة بها، مثل الجوار الإسرائيلي، والتدخلات الأميركية الأردنية، إضافة إلى الوجود الإيراني ووجود “حزب الله” اللبناني.

يرى العميد الركن المنشق إبراهيم الجباوي أن “اتفاق الجنوب، في 9 تموز/ يوليو 2017 الماضي، لم يأت على ذكر مصطلح (خفض التصعيد) البتة، إنما كان اتفاقًا لوقف إطلاق النار، وشتان بين المصطلحين (خفض التصعيد ووقف إطلاق النار)؛ إذ إن وقف إطلاق النار يفرض على الأطراف المتنازعة عدم إطلاق النار بتاتًا، من أي سلاح كان، ولأي سبب كان، بينما خفض التصعيد يعني أن إطلاق النار أو ما شابهه يخف بدرجات معينة”.

أضاف الجباوي، خلال حديث لـ (جيرون)، أن الخروقات التي ارتكبها النظام لهذا الاتفاق، والامتعاض الأميركي الأردني منها، جعل روسيا تسعى “جاهدة لإدخال هذا الاتفاق ضمن مقررات (أستانا 6)، وتحويله إلى اتفاق خفض تصعيد، أسوة بما ابتدعته من مناطق مماثلة في (أستانا 4)”، مشيرًا إلى أن “هذا التحول في نوعية الاتفاق أدى إلى رفع وتيرة الخروقات، وزاد في عدد الضحايا، ونسبة التدمير في المنطقة كلها؛ الأمر الذي ينبئ بانهيار هذا الاتفاق المتحول، في أي لحظة، نتيجة لعدم تحمل القوى الثورية تلك الاختراقات، وعدم تمكن مركز المراقبة من ممارسة دوره على الوجه الأمثل، وتواطؤ روسيا كليًا مع تلك الخروقات، لا بل تشجيعها، وبنتيجة المتغيرات في السياسة الإقليمية والدولية، تُجاه ثورة الشعب السوري، فلا يمكن إلا أن أرى مصير هذا الاتفاق وغيره ينهار -عاجلًا وليس آجلًا- ما لم يتم تلافي المسببات من قبل روسيا أولًا، والمجتمع الدولي تاليًا”.

من جهة ثانية، يقول الباحث السوري عصام المحاميد: “في المنطقة الجنوبية -وخصوصًا درعا والقنيطرة- يبدو أن ديكتاتورية الجغرافيا تفرض نفسها على صناع القرار. هذه المنطقة تعني أميركا بثقلها والنفوذ الصهيوني فيها”.

تابع: “مع ذلك، يلوح في الأفق -بعد أن ارتاح النظام وتمدد- أن يحشد النظام ميليشياته وقواته، لإعادة السيطرة على هذه المنطقة”، وقال: “صحيح أن درعا ليس فيها خلاف أو تنوع ديني أو طائفي أو حتى عرقي قومي -وهذه ميزة- لكنها أصيبت بما أصيبت به سورية، من مرض التطرف… هذا أيضًا أحد الأمراض الخطرة جدًا التي تجعل الكثير من الفصائل تنشغل بالتنازع فيما بينها، بتوسيع مناطق سيطرتها، وليس توسع رقعة الأرض المحررة من النظام، ويبدو ممكنًا القول إن هناك، أمام ضغط الواقع، درجةً ما من الوعي، تدفع كثيرين إلى الالتقاء، والعمل المنسق المنظم”.

يعتقد المحاميد أيضًا أن “أميركا، على المدى الطويل، ليست صديقة لا للشعوب ولا للأمم، هي صديقة لمصالحها، لكن موقفها الآن -في هذه المرحلة- مهم، من أجل الحد من النفوذ الإيراني، وضرورة عودة (حزب الله) كحزب سياسي وانسحابه من التخريب الذي يقوم به أيضًا”.

المحلل العسكري أحمد الحمادي قال لـ (جيرون): إن “اتفاقات خفض التصعيد كانت نتاج مؤتمرات أستانا التي سعت من خلالها روسيا، لإحداث خرق سياسي ودبلوماسي كبير على صعيد معالجة القضية السورية، وليكون لها الدور المركزي في تحديد مستقبل الثورة السورية، وليقلل من دور مؤتمرات جنيف ذات الثوابت المحددة والأسس القانونية الدولية، ولتحقق روسيا الخرق الكبير في صفوف المعارضة والقوى الثورية”، موضحًا أنه “كان المطلوب من الأستانات إسكات المناطق الثائرة، التي شملتها تحت ما يسمى (اتفاقات خفض التصعيد)، لمنح النظام والقوى الداعمة له الوقت لقضم واسترجاع المناطق غير المشمولة بتخفيض التصعيد”.

أضاف الحمادي: “في عقلية النظام السوري وداعميه، ﻻ يوجد قانون واتفاقات قانونية واجبة التنفيذ، طالما أن هناك إمكانية لتحقيق مصلحة تكتيكية أو استراتيجية بخرقه، وليسجل هذا الخرق ضدهم، لذلك لاحظنا هشاشة هذه الاتفاقات، وعدم تنفيذ متمماتها في إيصال المساعدات، ورفع الحصار، وتنقل المواطنين، وما زال سيف الجوع القاتل مصلتًا على حياة المدنيين، في أغلب المناطق الثائرة، ومنها الغوطة الشرقية المتأثرة بشكل قاتل جدًا”.

يرى الحمادي أن مآلات خفض التصعيد في درعا “يحددها القوي على الأرض القادر على تغيير حدودها لصالحه، وفرض احترام الطرف الآخر بالقوة، وما عدا ذلك يعد ضربًا من التهور السياسي. والحديث للثوار أن عليهم التكيف والتأقلم مع الكثير من التطورات التي حدثت لغير صالحهم، منها إيقاف الدعم والسعي لسحب السلاح من أيديهم، ومنها تحديد مهماتهم بالأعمال الشرطية، ومنها صرف أنظارهم عن النظام وإشغالهم بأنفسهم. الوضع ليس بالسهل، وهو بالغ الصعوبة، وعلى الثوار العمل على إيجاد البدائل الثورية؛ لتحقيق الأهداف المنشودة”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون