ديناميكية المعارضة السورية على وقع الشرعية الدولية

10 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
6 minutes

لا بد لمن يتابع تدرُّج الكيانات السياسية، في المعارضة السورية المعترف بها دوليًا، منذ نشأتها إلى اليوم، ونحن في النقلة الخامسة فعليًا في هذه الحركية؛ أن يُدرك المسار المحدد لها، والهدف المتوقع له، كمستقر نهائي.

بدءًا من “إعلان دمشق” عام 2005، والذي يمكننا اعتباره نقطة الانطلاق المعلنة سياسيًا للحراك الساعي للتغيير الجذري في سورية، يليه “المجلس الوطني السوري” عام 2011 أول كيان سياسي رسمي بعد انطلاق الثورة السورية، ومن ثم “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” عام 2012، إلى “هيئة التفاوض” بنسختها الأولى عام 2016، وبنسختها الثانية عام 2017، وما سيلي ذلك في المستقبل أيضًا.

بإمكاننا النظر إلى هذا المسار من زاويتين تساهمان في الإضاءة عليه، لنتبين فيه صورة أشمل: الزاوية الأولى هي الإطار المكاني الراعي لكل خطوة، والزاوية الثانية هي الديناميكية الداخلية في مكونات المعارضة، والتيار المهيمن فيها في كل مرحلة.

حمل الإطار المكاني لكل من هذه الخطوات دلالات سياسية واضحة، وقد ضمت الأرض السورية الجسم السياسي المعارض الأول فقط، الذي أطلق وثيقة “إعلان دمشق” للتغيير الوطني الديمقراطي، وجمع أطيافًا معارضة بشكل متوازن، وأكد على علمانية الدولة مع تأكيده أن الإسلام هو العنصر الثقافي الأكثر بروزًا في حياة الأمة والشعب، وأكد كذلك على المواطنة، وسعى في ذلك الحين للتغيير السلمي والتدريجي للسلطة. من هذه الزاوية؛ مثَّل “إعلان دمشق” الحراك الداخلي الوطني ومطالبه الشرعية، بلا منافس، قبل انتقال المعارضة إلى الخارج السوري، بعد استهداف أعضاء “إعلان دمشق” وقياداته، بعمليات الاعتقال من قبل نظام الأسد.

أُسس المجلس الوطني السوري وطرحت منذ ذلك الحين مفاهيم تسليح المعارضة والتدخل الأجنبي، وتلاه تشكيل الائتلاف السوري لقوى المعارضة، في مدينة الدوحة في قطر، بعد عام من ذلك في نوفمبر عام 2012، واستمر ككيان وحيد ممثل لقوى المعارضة أربعة أعوام، إلى 2016، حيث تشكلت النسخة الأولى من “هيئة التفاوض” في مدينة الرياض، قبل حصول التحولات السياسية ضمن المملكة العربية السعودية، والنسخة الثانية منها عام 2017، في مدينة الرياض أيضًا، لكن بعد وقوع التحولات الداخلية الجذرية في السعودية، والتي انعكست على مساراتها السياسية تجاه الشأن السوري.

شكل الانتقال إلى خارج سورية نقطة انعطاف في استقلالية المعارضة، وبرزت بقوة حاجتها المستمرة إلى الشرعية الدولية، كمنطلق لعملها، وكدافع لتحديد أهدافها، وقد تم مقايضة هذه الشرعية الدولية بشكل مستمر بمصالح الدول، وبإشراك مكونات معارضة، وباستبعاد مكونات أخرى عبر عملية إحلال واستبدال، من المفيد النظر إليها كمسار مرتبط لفهم آليتها من البداية للنهاية.

تتالت على خط الشرعية الدولية آليات توسيعية، سمحت باستبدال تدريجي للقوى الموجودة، بحسب كل مرحلة داخل المعارضة، ضمن ديناميكية الإحلال الفكري المتدرج من التيار الوطني الديمقراطي الحامل المهيمن، منذ عام 2005 إلى حين خروج قيادات هذه التيارات من سورية نحو إعطاء دور متصاعد ومهيمن لتيارات الإسلام السياسي، خلال الفترة الزمنية بين 2011 و2016، مع تقليص الدور الديمقراطي ضمن صفوف المعارضة المعترف بها دوليًا. بدأت بعد ذلك عملية إضعاف قوى التيارات الإسلامية التي أصبحت أقلية في التشكيلات الجديدة، لكن ليس لصالح عودة التيارات الديمقراطية بل لصالح قوى مقاربة لضرورة استمرار النظام الأمني بشكله الحالي.

لم تحصل التيارات الديمقراطية، الساعية لتغيير عميق في بنية النظام السياسي في سورية والملتزمة بدولة علمانية معتدلة غير معادية للأديان، على الشرعية الدولية، خلال هذه المراحل جميعها، بل انتقل الاعتراف بين معارضة تسود ضمنها التيارات الإسلامية التي قد يشكل فكرها الأيديولوجي مرجعية لفئة من الشعب السوري، لكن هذه الفئة لا تشكل بأي حال أكثرية عددية في سورية، ومنها انتقلت الشرعية الدولية نحو معارضة تتمثل الحل في الدولة الأمنية على مثال حكم الأسد. وبقي الطرح الثنائي القطب خيارًا وحيدًا يُفرض على السوريين، كما حصل في الثمانينيات، على الرغم من أن تعددية سياسية خارج هذه الأطر تشكلت، وترسخت في الوسط السوري، لكن الإشارة واضحة إلى أن المجتمع الدولي يغض النظر عنها، ولا يخرج عن المعادلة التقليدية بحاجته إلى وجود نظام استبدادي ضامن لمصالحه في هذه المنطقة، وعن استخدامه للتيارات السياسية ذات الأيديولوجيات الدينية لدفع الشعوب للعودة لنظمها القائمة، متجاهلًا تعاظم مفاهيم حرية التعبير والرأي، وتصاعد مطالب الحريات والعدالة الاجتماعية، وازدياد الوعي المجتمعي، وهي عوامل لا تتواءم مع المجال الضيق الذي تُحصر فيه الشعوب اليوم، والذي تم فرضه بالقوة، منذ ثلاثة أجيال إلى اليوم ولكن الاستمرار به شبه مستحيل، وإن إدراك هذه البديهة ضرورة لحل المعضلة السورية خصوصًا، ومعضلة الشرق الأوسط عمومًا بفتح أفق تطور المجتمعات بشكل سليم، ودمجها في مسار تطور الإنسانية عوضًا عن تقييدها تحت حجج أمنية، لن تؤدي إلا إلى زيادة الأمر سوءًا.

سميرة مبيض
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون