دمشق.. مهرجان للشوكولا بطعم الدم



على مقربة من فاجعة الجوع والدم في غوطتها، وعلى أنات الأيتام والثكالى، أقيم في العاصمة دمشق (مهرجان للشوكولا)، استقطب أعدادًا كبيرة من الزوار، حيث رُوّج له بطريقة الخدعة. وكتبت صفحات النظام عناوين مثل “يا عشاق الشوكولا، فرصة لا تعوض”، وأخرى تقول: “شوكولا بسورية بالمجان، لأول مرة في دمشق، الدعوة عامة”، “حملات تذوق مجانية مشاركات لأكبر شركات الشوكولا والحلويات، مع استضافة لأكبر مبدعات في سورية”.

نتيجة ذلك؛ تدافع الناس إلى أمام الفندق الذي أقيم فيه المهرجان، بمفارقة غريبة في دمشق التي هي الأخرى بات سكانها يعانون من ترد واضح في الأوضاع المعيشية، كما أنها تحوي في حاراتها مئات آلاف الأسر النازحة، من شتى مناطق سورية.

لم يحصل زوار المهرجان على مبتغاهم، ولم يذوقوا الشوكولا، بل حصل إعلام الأسد على مبتغاه، وأظهر أن سورية “بخير” وجميلة وتحتفي بالشوكولا، وهي لا جوع فيها، ولا أطفال تناشد أسرهم العالم على الهواء مباشرة لإنقاذهم من الموت الذي وصم جبين الإنسانية بالعار، في غوطة دمشق، وقبلها في عشرات المدن والبلدات.

تناولت صفحات التواصل الاجتماعي الحدث بطريقة لاذعة، وصورت المشاهد المؤلمة لانتظار الناس ساعات طويلة، ثم تدافعهم إلى باب الفندق الفخم وسط العاصمة، وهي على الرغم من بشاعتها، فإنها تعبر عن هذه المرحلة المرة من تاريخ البلاد، وقد اختصر المشهدَ أحد التعليقات التي تم تناقلها: “الناس ذاقت الأمرين، عوضًا عن قطعة شوكولا”.

نشرت صفحة (هاشتاك سورية): “لم يكن وزير المالية حاضرًا، كي يرى كيف أن البلاد فعلًا لا تعاني الجوع! هي فقط تعاني (جوعًا) للشوكولا والتنزه والسياحة، بدليل آلاف المواطنين الذين تقاطروا إلى مهرجان الشوكولا الذي رعته وزارة السياحة، في فندق يحمل اسمًا، لا علاقة له بالجوع أيضًا، (قيصر بالاس)”.

مشرفة المهرجان ميادة العلبي رأت أن هذه الفعالية “ليست مهرجانًا، بل عيدًا للشوكولا”، ويبدو أن إعلانها هذا هو سياسة مدروسة، كنوع من الأسلحة التي يستخدمها نظام الأسد لاستكمال تشويه المجتمع السوري وبنيته.

أكد المهندس سامر كعكرلي المدير السابق لـ (الاستثمار الزراعي) في سورية، أن “صناعة الشوكولا يمكن تصنيفها كحرفة عريقة من الحرف التي أبدع السوريون بها قبل نظام البعث، حيث اشتهرت عدة ماركات مثل (غراوي) بدمشق و(العلبي) بحلب وغيرهما، وقد حصدتا عدة جوائز عالمية في أوروبا”.

أضاف كعكرلي لـ (جيرون) أن نظام الأسد “حاصر تلك الحرفة العريقة، كما فعل بباقي الحرف السورية، وبالتحديد الدمشقية والحلبية، فمنع استيراد موادها الأولية التي تعتمد عليها الشركات مثل الكاكو وزبدة الفستق، وطبعًا السكر الذي حصر استيراده بمؤسسات الدولة”، لتظهر في فترة التسعينيات “بعض الشركات المرتبطة برجالات النظام ليتم تدعيم حضورها الحرفي وتسويقها، والتضييق على الآخرين” وبخاصة أن هذه المادة مرغوبة وأسعارها “جيدة ومربحة”.

سببُ استقطاب المهرجان للحضور -بحسب كعكرلي- هو “الغلاء الفاحش لهذه السلعة، حيث إن معظم الناس ذهبوا بهدف تذوق أولادهم لتلك السلعة التي لم يعد يستطيع كثير من العائلات شراءها، واستغنت عن تلك المادة، واستبدلتها بالسكاكر رخيصة الثمن، فوقعت الخديعة بالمهرجان التي استغلها النظام، بالترويج للحضور”.

أوضح كعكرلي أن الرسائل الأخرى التي يريدها نظام الأسد من مهرجانات كهذي تكمن في توقيتها، إذ تأتي في مفارقة “يموت فيها أطفال الغوطة جوعًا -وهي سلة غذاء دمشق- بسبب الحصار الذي يفرضه مع حلفائه، وإن إقامة مهرجان للشوكولا، في هذه الظروف، يعد تحديًا سافرًا لمشاعر السوريين”، وأشار كعكرلي إلى أنه سبق ذلك “العديد من الفعاليات، أقامها النظام بالتعاون الوثيق مع زبانيته من تجار وصناعيي سورية، الذين ارتبطت مصالحهم به، كمهرجان (بلودان) السياحي التي لا تبعد عنها الزبداني ومضايا وبقين أكثر من رمية حجر، حيث تم تدمير تلك المناطق وتهجير الأهالي منها”.

لفت كعكرلي إلى أن نظام الأسد “يستغل أهالي دمشق المحاصرين أبشع استغلال، منذ أعوام، وقد حرمهم من أي متنفس لهم، بعد أن قيد حركتهم بالحواجز وبتدمير مناطق تنزههم، فلم يترك لهم سوى هذه المدينة الحزينة، التي تعج بأصوات القذائف التي تقصف الغوطة وباقي الريف الدمشقي”.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون