معارضون: القراءة النقدية وتجديد الأدوات أبرز مطالب تصحيح مسار المعارضة



يرى معارضون وباحثون أن الانتقادات التي تعرضت لها مسارات التفاوض في جنيف، أوجبت وجود قراءة نقدية شاملة، لتجربة السنوات السبع الماضية، بما يقود إلى تبني أدوات وروافع جديدة في العمل الثوري والسياسي، ترتقي إلى مستوى طموحات وتضحيات الشعب السوري.

الارتجال والتسرع أبرز الأخطاء

ترى العديد من وجهات النظر أن أبرز الأخطاء التي انزلقت إليها المعارضة السياسية ووفودها التفاوضية، تكمن في تسرعها باتخاذ القرارات، من دون قراءة معمقة لها، ومن دون استشارة أصحاب الخبرة والاختصاص.

يقول عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز جسور، لـ (جيرون): إن “الانتقادات حول إدارة المعارضة للعملية السياسية والتفاوضية عديدة، ولعل أبرزها عدم اعتماد آلية واضحة، إلى جانب الارتجال والتسرع في اتخاذ القرارات”، موضحًا أن “هذا بدا واضحًا من خلال رد وفد المفاوضات مؤخرًا على الورقة التي طرحها المبعوث الدولي في جنيف، وهو ما يؤشر بشكل واضح إلى مدى التخبط داخل الوفد، ويؤكد أن المعارضة لم تستشر أصحاب الخبرة والاختصاص في هذا المجال”.

أضاف: “هذا الواقع يدفع باتجاه الحاجة إلى قراءة نقدية شاملة، تبدأ من القرارات الدولية المتعلقة بالقضية السورية، وتحديدًا القرارين: 2118 عام 2013، والقرار 2254 عام 2015″، معقبًا: “للأسف، لم تبادر مؤسسات المعارضة إلى مثل هذه الخطوة حتى اللحظة، واقتصرت المحاولات على بعض القوى الثورية، ولم يستفد منها الوفد الحالي أو السابق المعنيين بالعملية التفاوضية”.

من جهة أخرى، قال عمار البردان، أمين سر مجلس محافظة درعا الحرة: “بداية، لا بدّ من التأكيد على أن المفاوضات مسار شاق، لا يقل صعوبة عن النضال العسكري على الأرض. لا شك أن هناك هفوات وأخطاء، وأعتقد أن من أبرزها تقولب الواجهات التمثيلية للمعارضة مع المعادلات الإقليمية الدولية، والانزياح في المفاوضات عن حقيقة أن ما يجري هو ثورة شعبية، تريد استرداد الحقوق الوطنية الأساسية، وليست حركة معارضة سياسية”.

أضاف البردان، خلال حديث له مع (جيرون): “ينبغي الإنصاف، فالوفد المفاوض مقيد بتوازنات دولية وتحالفات إقليمية، تسعى إلى تعطيل مسألة الانتقال السياسي، والمفاوضون يحاولون -ما استطاعوا- تغيير هذا الواقع، عن طريق التمسك بثوابت الثورة ومطالب الشعب السوري”، وعقّب بالقول: “نهاية الحكم بالنتائج، طالما أن الوفد لم يتنازل عن ثوابت الثورة، فهذا يعني أنه على الطريق الصحيح، أما إذا فعل ذلك؛ فلن تبقى له أي شرعية”.

يعتقد محمد سليمان دحلا، رئيس الأمانة العامة في الغوطة الشرقية، أن القضية “أكبر من مجرد انتقادات هنا وهناك، وهي تحتاج إلى قراءة مغايرة للعملية التفاوضية برمتها”، موضحًا، في تصريحات لـ (جيرون): “نحتاج إلى أدوات وروافع جديدة، بخاصة بعد ما حصل مؤخرًا، عندما قبل الائتلاف بضم منصات لا تتبنى ثوابت الثورة، إلى وفد المفاوضات؛ الأمر الذي أعطى دي ميستورا والأطراف الدولية الإقليمية، وعلى رأسها طهران وموسكو، القدرة على فرض ما يريدون”.

شدد دحلا على أنه “لا يمكن الصمت عن الأخطاء الكارثية للطريقة التي أدارت بها المعارضة العملية التفاوضية، خصوصًا أن نقاش مسألة الدستور ليس من صلاحيات الوفود المفاوضة، لا قانونًا ولا عرفًا، بل هي مسؤولية لجنة تأسيسية منتخبة، ولذلك كيف باستطاعتنا قراءة أو تفسير قبول المعارضة بالابتعاد عن بحث عملية الانتقال السياسي، واختزال المسائل بقضايا الدستور والانتخابات وغيرها”.

 البحث عن كيان جديد

في الوقت نفسه، تذهب بعض الطروحات في الداخل السوري إلى ضرورة تشكيل كيان جديد للمعارضة السورية، يُبنى أساسًا على تمثيل شخصيات وطنية ثورية، بحيث يستطيع هذا الكيان الجديد تحقيق التكامل بين النضال العسكري على الأرض، والنضال السياسي في المحافل الدولية، بعيدًا عن عناوين المرحلة الماضية.

في هذا الصدد، قال دحلا: “نحن بحاجة إلى كيان جديد بأدواته وآليات عمله، وطالما أن واجهات المعارضة يجري تصنيعها في مطابخ الاستخبارات الدولية وأجهزتها، فسنبقى أمام واقع يشير إلى أن الوفود المفاوضة ستكون مطيعة وجاهزة لتقديم التنازلات. من هنا بدلًا من أن يدافع الائتلاف عن العملية الحالية، ويبحث عن مبررات، عليه أن يسحب ممثليه من وفد المفاوضات، وكذلك يجب أن تفعل الفصائل العسكرية، بعد أن تهرب الراعي الأممي للمفاوضات عن مناقشة قضايا الانتقال السياسي”.

يرى دحلا أيضًا أن “هناك مؤشرات عديدة على أن الهدف من المفاوضات الآن هو سحب مسار جنيف إلى سوتشي، بما يمهد لإنهاء أي نقاش في مسألة الانتقال السياسي، ووأد الثورة السورية، فإن كانت المعارضة السياسية ثابتة على مبادئ الثورة؛ فعليها أن تتخذ موقفها الآن وفورًا”.

غير أن عبد الوهاب عاصي يختلف مع دحلا، ولا يعتقد أن “هناك أرضية وأدوات ملائمة للذهاب باتجاه تشكيل كيان جديد أو بديل. من دون شك، المعارضة تتحمل مسؤولية كبيرة في ما وصلت إليه الثورة السورية، سياسيًا وعسكريًا، ولكن علينا أيضًا ألا نغفل دور القوى الإقليمية الدولية، كي نكون موضوعيين، فالواقع الدولي والإقليمي هو الأسوأ بالنسبة إلى الثورة السورية”، موضحًا: بما أن “الفصائل العسكرية غير قادرة حاليًا على إحداث أي تغيير، أو على الأقل الحفاظ على مكتسباتها ومواقعها الحالية، فإن سقف التنازلات سيكون أكبر ضمن المسار التفاوضي”.

الخطوات المطلوبة لتصحيح المسار

يقول عاصي: إن الخطوات المطلوبة اليوم هي “وضع خطط للدفاع المشترك عن الجبهات التي يحاول النظام اختراقها، تزامنًا مع استثمار أي خرق للأخير وحلفائه، والذهاب إلى هجوم معاكس، باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتهم، يعقبها إنشاء جهاز أمني مشترك، بعيدًا عن مفهوم الاندماج الذي لم يفلح في تغيير الواقع؛ ومن شأن هذه الخطوة أن تدعم المجالس المحلية، وتبتعد بأنظمة الحكم المحلي -إن صح التعبير- عن التجاذبات الفصائلية والسياسية”.

أضاف عاصي أن “الخطوة الثالثة -كما أعتقد- ترتبط بتطبيق الخطوة الثانية، وتتمثل في تأسيس نظام قضائي مشترك داخل المناطق (المحررة)؛ بما يساهم في دعم وتنمية تلك المناطق. مثل هذه الخطوات قد تساعد في إعادة إنتاج أدوات العمل السياسي، بما يدعم الوفود المفاوضة، ويمنحها هوامش أكبر للمناورة والفعل”، مستدركًا: “يبدو حتى اللحظة أن هذه الخطوات صعبة التطبيق، بفعل المعادلات الإقليمية الدولية التي تحول دونها وتعرقلها، إلا أنه لا بديل عن المحاولة والمحاولة مجددًا”.

بدوره، قال دحلا: “أعتقد أن الخطوة الأولى في طريق تصحيح المسار هي إعادة إنتاج الائتلاف على أساس ثوابت الثورة، بحيث يضم شخصيات معارضة ثورية غير تقليدية، وأن يراعى في الولادة الجديدة تحقيق تواؤم، بين الكفاح العسكري على الأرض والنضال السياسي، والابتعاد عن المحاصصات الفصائلية-الحزبية-المناطقية.. أنا أقصد هنا إعادة إنتاجه بشكل شامل، ولا أعني ترميمه أو هيكلته من جديد”.


مهند شحادة


المصدر
جيرون