السوريون في بلاد اللجوء.. هل يحملون عنصرية ذاتية؟



تُهيمن على السوريين، في بلاد اللجوء، حالة من التنافر والتباعد، وتتجلى في تجنّبهم توثيق علاقاتهم الإنسانية والاجتماعية بالآخر السوري، وعدم الحنو على بعضهم بعضًا. ويعزو بعض المهتمين هذه الظاهرة إلى حالات اليأس والإحباط والاغتراب التي يعيشها السوريون، في هذه البلاد، فضلًا عن صعوبات المعاش وتأمين الحال، فيما يرى آخرون أن هذه الظاهرة هي نتاج طبيعي لما زرعه النظام طيلة عقود في النفوس، من خراب فكري وقيمي وأخلاقي.

في هذه الموضوع، قال حسام الدين درويش، المغترب السوري والأستاذ المساعد في قسم الدراسات الشرقية جامعة كولونيا بألمانيا، لـ (جيرون): “لحالةِ النفور والتوتر بين السوريين في بلاد اللجوء، أسبابٌ كثيرةٌ ومعقدةٌ، فهناك نفورٌ عامٌّ من انتمائنا السوري، لكون بلدنا ممزقًا، ومجتمعنا مفتتًا، والأخبار عنه -غالبًا- لا تسرّ ولا ترفع الرأس، ومن هنا تنشأ الرغبة، لدى كثيرٍ من السوريين، في تجنب بقية السوريين وأخبار سورية”.

أضاف: “ثمة نوعٌ من العنصرية الذاتية أو العنصرية ضدَّ الذات التي تنشأ غالبًا في أوضاع الهزيمة، والشعور بالتخلّف المجتمعي والثقافي، حيث ينظر الشخص بدونيةٍ إلى مجتمعه وثقافته والمنتمين إليهما، إلى جانب الانقسامات السياسية/ الأخلاقية المتعلقة بالموقف من النظام والثورة عليه، والتوترات الطائفية/ الدينية.

ثمة عنصرية أو عدائية طبقية أو مناطقية بين الشرائح المختلفة، أو بين أبناء المناطق المختلفة (مدينة وريف، أو مناطق حضرية ومناطق بدوية) ويمكن تفسير حالة النفور أو التوتر، بين السوريين أيضًا، باعتقاد كثيرٍ منهم أن الاندماج في المجتمعات الجديدة يقتضي بالضرورة الابتعاد عن السوريين، وهو فهم خاطئ لمفهوم الاندماج”.

من جانب آخر، قال المعارض السوري المغترب عزت شيخ سعيد لـ (جيرون): “خمسون عامًا عاشها السوريون، تحت حكم فاسد مُفرغ من كل القيم الوطنية والدينية والإنسانية، لذلك لا عجب أن تظهر ممارسات اجتماعية غير سليمة، لدى شريحة واسعة من السوريين، ويصعب التخلص من رواسب هذه المرحلة بسهولة”.

أضاف: “بعد أن نجح النظام (ومعه القوى العالمية التي تدفقت على سورية بذريعة محاربة الإرهاب) في تحويل الثورة، من مسارها النبيل إلى حرب مدمرة؛ ظهرَت -إضافة إلى القتل والدمار والحصار والاعتقال والتعفيش والتشبيح- مظاهرُ الانحلال الأخلاقي، من كذب وسلب ونهب، وزاد الأمرَ سوءًا إطالةُ عمر الصراع، وانعدام الأمن والعمل والتعليم والطبابة، وانحسار الحقوق إلى مستويات غير مسبوقة، كل هذا ينذر بمزيد من الخراب العميم الذي نحتاج إلى عقود للتغلب عليه”.

في الموضوع ذاته، رأى الباحث السوري المغترب موفق زريق، أن السبب الكامن، وراء التباعد الاجتماعي بين السوريين، يعود إلى عدم الثقة والخوف من المستقبل (المجهول)، والتمسّك بالفرص الشحيحة، وأضاف في هذا الصدد: “لا توجد حلول آنية سريعة لهذا التفكّك؛ إذ إن الأمر يحتاج إلى سنوات من تراكم الأعمال الإيجابية، وتنمية الثقة المتبادلة بين مختلف شرائح المجتمع، وينبغي على النخب المدنية والسياسية أن تكون سباقة إلى تشكيل نواة أولى، تجمع السوريين في الشتات، وتلمّ أوجاعهم”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون