الفصائل تهاجم المصالحة وتخلط الأوراق جنوب دمشق

4 يناير، 2018

جاء تحرك فصائل المعارضة العاملة في جنوب دمشق، ضد لجان المصالحة، ليعيد خلط أوراق المنطقة، سياسيًا وميدانيًا، بخاصة بعد “هرب” الشيخ أنس الطويل أحد أبرز رموز الثانية مع مجموعةٍ من مسلحيه إلى مناطق النظام، أول أمس الإثنين، لتعقبه الأولى ببيان أعلنت فيه أن الطويل ممنوع من الدخول إلى المنطقة، مشيرةً إلى أن تحركها أتى بعد أن تجاوز الطويل كل الخطوط الحمراء والتفاهمات بين الطرفين ضمن اللجنة السياسية، موضحةً أنها ملتزمة بكافة الالتزامات المتعلقة بتجنيب المنطقة ويلات الحرب.

التحرك يهدف إلى إجهاض مشروع المصالحة

بدأت التطورات الأخيرة بعد أن عاد الطويل من اجتماع مع وفد أمني عسكري للنظام، في العاصمة دمشق الجمعة الماضية، حاملًا ورقة من عدة بنود تقود بشكل علني إلى إعادة جنوب العاصمة لحكم الأسد ومعها مهلة 72 ساعة للرد عليها، ليتبعها الأول بتوزيع استبيان داخل بلدة ببيلا على المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، لتوضيح ما إذا كانوا يرغبون في تسوية أوضاعهم والتأجيل الإداري، أو الالتحاق بتشكيلات النظام العسكرية. وأخيرًا قاد الطويل مسيرة إلى حاجز سيدي مقداد الفاصل بين المنطقة والعاصمة دمشق، برفقة ما يقارب 50 شابًا وهي تهتف شعارات موالية للأسد وجيشه.

حول هذه المعطيات، قال العقيد يوسف حمدان، القيادي في (جيش الأبابيل)، لـ (جيرون): “التحرك جاء بعد أن تجاوز تيار المصالحة، وعلى رأسه أنس الطويل، كافة القيم الوطنية والثورية والأخلاقية والدينية، ووصلت به الأمور أن بدأ يزرع في عقول الشباب أفكار عن كرم وإنسانية جيش النظام وقدرته على استيعابهم ضمن صفوفه وفرزهم إلى بلداتهم لقتال (داعش)، ثم جهز مسيرة برفقته 54 شابًا إلى حاجز النظام، وهم يهتفون (الله محي الجيش)”.

أوضح حمدان: “لم يكن باستطاعتنا -بعد هذه التصرفات- عدم اتخاذ موقف، وبعد اجتماع أغلب الفصائل؛ جاء التحرك بقوة مشتركة ضمت (جيش الأبابيل، جيش الإسلام، أحرار الشام، فرقة دمشق، ألوية الفرقان، سيف الشام) وداهمت بلدة ببيلا، بهدف التصدي للطويل وأعوانه وقتل المشروع في مهده، وسقط خلال المواجهة مقاتل من (الأبابيل)، وهرب الطويل إلى (حضن الوطن) فهنيئًا له، واستلمت الفصائل بلدة ببيلا بشكل كامل”.

من جهةٍ أخرى، قال فادي شباط، مدير فريق (دمشق برس) الإعلامي جنوب العاصمة، لـ (جيرون): إن “شرارة المواجهة كانت تصرفات الطويل التي وصلت إلى حد تنظيم مسيرةٍ تهتف: (الجيش والشعب إيد وحدة)، هنا أدركت الفصائل خطورة الموقف وتحركت، وأعتقد أن الأول كان يهدف إلى تسليم المنطقة بالكامل للنظام السوري، وقتل الثورة بداخلها، إلى جانب حض الشباب للالتحاق بجيش النظام ما يعني الزج بهم على جبهات الثوار، وهو ما أدى إلى رأي عام، يرفض مثل هذه المشاريع أيضًا”.

أضاف شباط: “أنس الطويل شكّل خلايا مسؤولة عن توزيع السلاح للأهالي، لتنفيذ مشروع جر المنطقة إلى المصالحة والعودة إلى حضن الوطن، رغم علمه بأن الفصائل تخوض مفاوضات شاقة؛ ليكون جنوب دمشق ضمن مناطق خفض التصعيد، إلى جانب مفاوضات أخرى لإعادة أبناء الحجر الأسود ومخيم اليرموك إلى منازلهم دون تنازلات، بعد إخراج (داعش والنصرة). وقف الطويل ضد كل ذلك؛ لأنه لا يريد سوى المصالحة”.

هل انتهى تيار المصالحة جنوب دمشق؟

يرى بعض ناشطي الجنوب الدمشقي أن تحرك الفصائل الأخير أنهى عمليًا تيار المصالحة، في المنطقة إلى غير عودة، في حين يعتبر آخرون أن هذا التحرك جاء أساسًا نتيجة خلاف المشاريع بين الطرفين، وعنوانه الأساس التهدئة أو الهدنة مع النظام، مع تباين الأدوات والتبريرات، وبالتالي فإن ما حدث هو بمثابة مرحلة انتقالية ستشهد إعادة تنظيم العلاقة بينهما، وفق أسس جديدة.

في هذا الشأن، قال الناشط مطر إسماعيل لـ (جيرون): “لا أعتقد أن تيار المصالحة انتهى، لأنه يمتلك قاعدة شعبية وأدوات أخرى داخل المنطقة، مثل الشيخ صالح الخطيب على سبيل المثال، ومن هنا؛ ربما كان التحرك الأخير بداية لمرحلة جديدة تعيد صياغة العلاقة، بين الأول من جهة والفصائل وبينهما معًا ومع النظام من جهةٍ أخرى، وفق محددات مغايرة وواضحة ترتكز على أن جنوب دمشق لن يمضي في مشروع المصالحة، ولا سيّما أنه لا توجد ضغوط حقيقية من النظام للدخول في مشروع تسوية مع الجنوب الدمشقي”.

أوضح إسماعيل: “نهايةً؛ التحرك جاء ردة فعل على تصرفات الطويل، وتجاوزه كل الخطوط الحمراء والمحددات العامة المتفق عليها في ما يخص الوضع الميداني والسياسي للمنطقة، ولا أعتقد أن تحرك الفصائل جاء انسجامًا مع مزاج الثورة، على الرغم من أن معارك الغوطة المتواصلة أعطت دفعة قوية لتيار الثورة في منطقتنا، كما أنني لا أرى أي ربط بين التحرك وبين اتفاق خفض التصعيد الذي تريده الفصائل؛ لأن الاتفاق أساسًا لم يدخل حيز التنفيذ في جنوب دمشق حتى اللحظة، وما أعلن عنه هو اتفاق تمهيدي فقط”.

في حين قال العقيد حمدان: “لم يأت التحرك تعبيرًا عن صراع مشاريع، بين تياري المصالحة الثورة، المشاريع موجودة منذ أكثر من عام، ولكل الحق أن يطرح وجهة نظره، وفق المعقول والمقبول على مضض. من جهتنا، في النهاية؛ المنطقة تخضع لسيطرة (الجيش الحر)، ومن هنا؛ فإن التحرك جاء بهدف التصدي لمشروع تجاوز كل الأعراف والقيم، وأعتقد أن تيار المصالحة الخاضع لسيطرة مشايخ السلطان انتهى، وإذا خرج تيار جديد؛ فسيكون ضمن الضوابط الثورية والشرعية”.

لم يختلف شباط كثيرًا مع رؤية حمدان، وأضاف: لا أعتقد أن تيار المصالحة سينتهي بهذه السهولة، خصوصًا أن المنطقة محاصرة والنظام يتحكم بالمعبر الوحيد لها، وهو شريان الحياة الرئيس. من هنا؛ لا مانع من وجوده في حال لم يطعن بأهداف الثورة ومناصريها في المنطقة، ولهذا جاء التحرك الأخير لإنهاء تصرفات أنس الطويل ومشاريعه غير المسؤولة إطلاقًا، ومن هنا؛ فإن نهاية تيار المصالحة أو بقاءه، أو سيادة تيار ما في جنوب دمشق، ترتبط ارتباطًا أساسيًا بقضية حسم مصير المنطقة بشكل كامل”.

أما عن مستقبل الجنوب الدمشقي، بعد التطورات الأخيرة، وبخاصة أن النظام سارع إلى إغلاق معبر سيدي مقداد الفاصل ما بين العاصمة وجنوبها الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، قال حمدان: “وفق المعطيات الحالية وما يرافقها من ظروف وضغوط ميدانية سياسية؛ أعتقد أن كل الخيارات والاحتمالات مفتوحة”.

من جهته قال شباط: “لا شكّ أن هناك ارتدادات نتيجة ما حدث، لكن لا نراها حتى الآن تُشّكل خطورة حقيقية على الثوار، ولدينا قناعة بأن اللجنة السياسية التي تضم جميع القوى في المنطقة أصبح لديها من الخبرة والوعي ما يمكنها من استثمار أي ظرف وإيجاد الحلول المناسبة، سواء على الصعيد الداخلي بما يضمن عدم الدخول في صراع أهلي، إن صح التعبير، أو على صعيد سير المفاوضات مع النظام السوري وحلفائه”.

في حين قال إسماعيل: “من الصعب الجزم كيف سيكون مستقبل دمشق بعد التطورات الأخيرة، وخصوصًا أن النظام أغلق الحاجز، وفرض حصارًا مطبقًا على المنطقة، بالتالي نحن مقبلون على مرحلة جديدة، ستعيد بناء العلاقة مع النظام السوري على أسس جديدة، من دون أن تخرج عن سياق الهدنة أو التهدئة المتفق عليها مسبقًا، إلا أنها لن تذهب بالتأكيد باتجاه منح الجنوب الدمشقي على طبق من ذهب لنظام الأسد، كما كان يسعى أنس الطويل”.

مهند شحادة
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون