ليست “فتح الشام” وحدها المسؤولة



توجّهت أصابع النقد إلى (جبهة فتح الشام/ النصرة) بأنّها قبضَت ثمن مناطق واسعة، في أرياف حماة وإدلب وحلب، من تركيا، وذلك من أجل أن تفوز الأخيرة بمنطقة عفرين. يأتي هذا “البيع” ضمن تنفيذ بنود اتفاقية “خفض التوتر” في إدلب، بين الدول الثلاث؛ أي أن الفصائل الموقعة على الاتفاقية و”النصرة” باعوا الأراضي والقرى والدماء والناس، لينجوا.

إذًا؛ ليس من الصواب التركيز على (جبهة فتح الشام/ النصرة) بمفردها. أيضًا توسعَ (داعش) 2014، ثم تلاشى، وقبله ظهرت (النصرة)، والسؤال: ماذا فعلت فصائل الجيش الحر لتقوية ذاتها، ومواجهة خطر التنظيمات الجهادية، وقد أصبح من المُجمَع عليه، أنّها شركات أمنيّة لأكثر من دولة، تخدم أجندات غير وطنية وضد الإسلام ذاته؛ بما يسهل للنظام الاستيلاء على المناطق “المحرّرة” وتخريب الثورة، والتشهير بالأخيرة، ونزع أي صفة ثورية ووطنية وسلمية للثورة. ماذا فعلت هذه الفصائل مجدّدًا؟

الفصائل المتعددة الساعية للمجد على حساب بعضها، والهامشية بامتياز، لماذا لم تتوحد بأطر وطنية تشمل سورية؟ بل لم تتوحد ضمن المدينة الواحدة! نقول إن هذه الممارسات سهلت لـ (النصرة) أو لـ (داعش) أو لـ (جيش الإسلام) أو لـ (أحرار الشام)، أن تنتصر على تلك الفصائل بكل يسرٍ وسهولة؛ طبعًا الدعم الخارجي للجهادية والإسلامية، وتهميش الفصائل الوطنية ساهم في ذلك، ولكنها حجة “تافهة”، فالأصل أن هذه الفصائل، على الرغم من تراجعها أمام النظام وأمام الجهادية، ظلت تفعل الممارسات ذاتها، ولم تتوحد، ورغم الثرثرة الكثيرة عن مشاريع توحيدية، على كثرتها، فإنها لم تتحقق؛ ذهبت حمص وحلب وتهمّشت درعا والغوطة الغربية وكل مدن الشرق، والآن تكاد تذهب الغوطة الشرقية، ولم تتوحد الفصائل؟!

الحقيقة أن تعظيم فكرة التعددية، وفق ما جرى بالسنوات السبع، كان كارثة على الثورة ومستقبل سورية، وعلى الناس الذين تعرضوا لمختلف أشكال الذل والتهجير والجوع والقمع؛ السؤال: أيّ تعددية “انتهازية” تلك التي أوصلت الثورة إلى التفتت الكلي؛ التعددية لا تساوي الفوضى والتفتت، بل تساوي تشكيل مجتمع ودولة قوية، وتحقيق أفضل أشكال التقدم للأفراد، في كل المجالات.

فشلت الفصائل، وعمّ الفساد فيها، واغتنى بعض قادتها، وسحقت أغلبيتها، وذهبت أقسام منها لـ (النصرة) بسبب ذلك. التشكيلات السياسية والإغاثية وسواها هي -أيضًا- لم تستطع تشكيل بنى تنظيمية موحدة، وحتى حينما تشكلت بنى تحتوي على تمثيلات سياسية كثيرة، كالمجلس الوطني والائتلاف الوطني وهيئة التنسيق، لم تعمل بشكل جماعي، وظلت كل مجموعة فيها تعمل بطرقها الخاصة، في التمويل والتواصل السياسي وسوى ذلك؛ طبعًا الأخطر ما يتعلق بقادة الفصائل، فهم الذين يسيطرون على الأرض وعلى السكان وعلى المسلحين، وضمن إطار المواجهة، وبالتالي كان رفض تشكيل قيادة عسكرية موحدة، مجالًا للتدخل الإقليمي والدولي، وتحويل السلاح إلى أعمال “مأجورة” بالتدريج، وهذا ما حدث؛ وتلاشت الفصائل بالتدريج.

ربما يمكن تفسير هذه الممارسات، بسبب إطالة أمد القمع لخمسة عقود، حيث يبرّر ذلك للأفراد البحث عن الدور والظهور والتزعم والفردية، والرغبة في “الإمارة والطغيان”، ولكن استمرار الآليات ذاتها، عند السياسيين والمثقفين والعسكريين، يوضح أن ما فعله النظام كان كارثيًا بالأفراد، كما ذكرت؛ حيث سحق كل معاني الأنا بالمعنى الإيجابي؛ وحالما ظهرت الإمكانية لاستعادتها؛ ظهرت الأنا السلبية، بكل معانيها الطغيانية، أي أن الفرد لا يتقبل النقد، والحوار، والاعتراف بالجهل، والتشارك مع الآخرين، والكذب بادعاء ذلك. طبعًا هناك تراجع الفكر الاشتراكي، وتجربة اليسار التنظيمية السلبية والاجتياح الليبرالي للعالم، ويضاف إلى كلّ ما سبق الإرثُ التقليدي برفض الآخر. ما يحصل في سورية، من دمار ولجوء وقتل وقمع وتحريم أية حريات، في الغوطة الشرقية وفي إدلب، وخصوصًا أن هناك سطوة مارستها الفصائل على الناس، يوضّح لنا أن السوريين معنيون بالتدقيق في كل ممارساتهم “الثورية”، فهي هي ممارسات النظام، حينما كانوا خاضعين لها.

في الوقت الراهن، هناك خسارة كبيرة للمناطق، تشبه إلى حد بعيد خسارة حلب وحمص والغوطة الغربية والقلمون، والسؤال ماذا سيفعل من يتصدى لتمثيل الثورة؟ ذهبتم إلى أستانا لتوقعوا على خسارة حلب، ووصلنا إلى (أستانا 8)، وكانت نتيجتها السماح للنظام وروسيا وإيران، بممارسة كل أشكال الدمار والقصف، وتهجير سكان سورية من مختلف المناطق، وتسليم إدلب لـ (جبهة تحرير الشام/ النصرة)، وكانت وظيفة آخر اجتماع تعبيد الطريق لـ “سوتشي”، أي أن تلك الفصائل أصبحت تعمل لصالح الدول “تركيا وإيران وروسيا، وإن موافقتها، وفق بيان أستانا للدعوة إلى سوتشي، يعني أنها ساقطة بالكامل و”عميلة”.

الرفض الواسع لـ “سوتشي”، ربما ينهيه كليًا. يدعم ذلك السلبية الأميركية إزاءه، وسيطرة الأميركيين على مناطق واسعة من سورية، وبناء أكثر من ست قواعد عسكرية. ذلك الرفض سيؤثر على “سوتشي” وسيهمشه، ولهذا تُصعّد روسيا بكل وسائل الدمار، وتسمح للنظام وإيران، بممارسة كل أشكال القتل. يمكن القول إن “سوتشي” فشل قبل أن يُحدّد موعده بشكل ثابت.

ما حصل من “قتل ودمار” في إدلب والغوطة الشرقية، يستدعي موقفًا حاسمًا، ويبدأ “تخوين” كل من يذهب إلى أستانا مجددًا، أو سوتشي، والتأكيد أن الطريق الوحيد للسياسة هو جنيف، ووفق مبادئ (جنيف1) وتطبيق كافة القرارات الدولية، التي تؤكد انتقالًا سياسيًا، يغير النظام الحالي بشكل كامل.

القول إن روسيا أصبحت تتحكم بالواقع السوري -نظامًا ومعارضة- أظنه ليس بصحيح تمامًا؛ فحدة القصف والعنف تقول إن هناك أوراقًا كثيرة ليست بيدها، وبالتالي لا يكفي التركيز على الجهاديات: (داعش) و(النصرة)، بل هناك مسؤولية تتحملها كافة الفصائل “الوطنية” والمعارضة بكل تياراتها، وتتلخص في عدم العمل بكل الطرق، من أجل مشروع وطني جامع لكافة هذه التيارات، يقود الوضع السوري نحو واقع أفضل.

ما قلته هنا يستدعي من القوى غير المنضوية في المعارضة المُكرسة، ومن المثقفين “المعارضين، البحث عن كافة الآليّات التنظيمات والرؤى الاستراتيجية لكيفية التغيير في سورية.


عمار ديوب


المصدر
جيرون