on
أرمناز.. صناعة الفخار تحافظ على عراقتها
تشتهر مدينة (أرمناز) في ريف إدلب، بالصناعاتِ التراثية القديمة، كصناعة الفخار المشهورة محليًا، وتُعدّ هذه الصناعة التقليدية البديعة واحدةً من أعرق الصناعات اليدوية في سورية، حيث يقوم حرفيون مهرة بإنتاج أشكال وأحجام مختلفة تتناسب مع جميع الأذواق، وتؤدي العديد من المهمات، بغرض الاستخدام المنزلي أو الزينة، لإضفاءِ مظهر مميّزٍ داخل البيوت.
قال حسن المرعي، وهو صاحب ورشة صغيرة لتصنيع الفخار (الأواني والقطع الفنية الصغيرة وغيرها)، في بلدة أرمناز بريف إدلب، لـ (جيرون): “بدأتُ العمل بهذه المهنة منذ صغري، وأخذتها عن والدي الذي كان يعمل بها أيضًا، وتعدُّ هذه الحرفة من الحرف القديمة والتراثية في بلدة أرمناز، وتعود إلى عهد الفينيقيين، ومُعظم أهالي أرمناز يمتهنون هذه الصناعة، كونها تركة الآباء والأجداد، كما أنها تُعدّ مصدر دخل أساس لأهالي البلدة”.
عن مراحل صناعة الفخار، أوضح المرعي: “تتكوّن المادة الأولية لهذه الصناعة من رملٍ وتراب أحمر اللون، يُستخدم في معامل السيراميك، تُخلط المادتان، ويتم نخلهما لفرز البحص والشوائب عنهما، ومن ثم توضعان في مكنة العجن، ويُضاف إليهما كمية معينة من المياه، وتُعجنان لمدة 10 دقائق، ثُم يوضع الخليط في (الدولاب اليدوي) الدائري، وتبدأ عملية تصنيع أشكالٍ فخارية كـ (الأواني، القدور، الأكواب، الفناجين، الأباريق، والصحون)، وبعد الانتهاء من تلك الصناعات؛ تُعرض في أماكن واسعة كي يصل إليها الهواء لمدة 5 أيام، بعد ذلك توضع في فرن القرميد الذي تصل حرارته إلى 700 درجة مئوية، وهي المرحلة النهائية، قبل البيع”.
أشار المرعي إلى “أن بعض الأشكال الطينية تحتاج إلى زخارف وزينة، حيثُ تأتي مرحلة الزخارف والرسوم، بعد نهاية صناعة الطينة وتحويلها إلى أشكال فنية، وقُبيل وضعها في فرن القرميد، موضحًا “أن الزينة هي عبارة عن دهان أسود وألوان ذهبية ونُحاسية حمراء اللون، يتم من خلالها رسم وتلوين الأشكال، وبعد الانتهاء من تلوينها، توضع في فرن القرميد لمدة نصف ساعة، ومن ثم يتم إخراجها من الفرن، ووضعها بعيدًا عن أشعة الشمس، ومن ثم تأُخذ إلى مستودع العرض لوضعها داخل أكياس من النايلون الأبيض، لحمايتها من الغبار والأوساخ وبيعها للتجار، وتُباع بحسب الكلفة والوقت وأجور الأيدي العاملة وأرباحها بسيطة”.
بخصوص إنتاج الصناعات الفخارية وتسويقها بين المحافظات السورية والعوائق التي تُلاحق المهنيين، أوضح المرعي أن “مُعظم إنتاج ورشته كان يذهب في السابق إلى حلب واللاذقية وطرطوس، إلا أنه حاليًا يواجه العديد من العوائق، نتيجة فرض إتاوات عالية على النقل من قِبل حواجز قوات النظام“، وأضاف: “اشترطتُ على مُعظم التجّار، في المحافظات الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، أن تعود إتاوات شحنة الفخار لحسابهم، وإلا؛ فسأوقف التصدير المحلي بين المحافظات، وأكتفي بالعمل داخل محافظة إدلب“، موضحًا أن “أرباح المواد الفخارية بسيطة، ولا تتحمّل دفع إتاوات لقوات النظام، وقد التزم معظم التجار بشرطي، نظرًا إلى رواج هذه التجارة في محافظاتهم بشكل كبير”.
في الموضوع ذاته، قال ساهر زكور، وهو تاجر من بلدة أرمناز يبيع الأشكال الفخارية، لـ (جيرون): “أعملُ تاجرًا لبيع الأدوات الفخارية منذ 17 عامًا، وكانت تجارتي بالفخّار، قُبيل اندلاع الثورة، لا بأس بها لكثرة الورشات والمحال التجارية في البلدة، وبعد اندلاع الثورة؛ ازداد الطلب على (الخابية) الكبيرة والمتوسطة التي يوضع فيها الماء، فيحافظ على برودته في ظل انقطاع الكهرباء، وشدّة حرارة الجو”، وأضاف: “أصبح الطلب على (الخوابي) كبيرًا جدًا، وبخاصة لمناطق ريف إدلب الغربي، ويُقبِل الأهالي على شرائها كونها تحفظ المياه، وتزيد من برودته”.
تجيد مُعظم السيدات، في بلدات ريف إدلب الغربي تحديدًا، مهارة صناعة الفخّار، لا سيما التنور الفخاري الذي يُستخدم للخبز، من بينهنّ المسنّة (أم الوليد) من قرية “بياطس” المحاذية لبلدة أرمناز بريف إدلب الغربي، وقالت لـ (جيرون): “أعملُ في صناعة التنور الفخاري بكافة أنواعه منذ 30 عامًا، وذلك بسبب حاجة المواطنين منذ القدم إلى خبز التنور، ويُعدّ من أشهى وألذ أنواع الخبز، بالنسبة إلى أبناء المنطقة وزوّارها”.
عن كيفية صناعة التنور الفخاري، أوضحت (أم الوليد) أن “صناعته تحتاج إلى تُراب يُستخدم لمادة السيراميك، يسكب الماء عليه ويُعجن مع خيوط تُسمى (خيوط الخيش)، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة، يُصنع التنور الفخاري على شكل وعاء كبير أو متوسط، بحسب الطلب، ومن ثمّ يوضع تحت أشعة الشمس لتجفيفه وبيعه. ومن حيث الاستخدام، يقوم الزبائن بوضع الوعاء (التنور الفخاري) في زاوية بجانب منزلهم، ويشعلون النار بداخله كي يتم تفخيره، وبعد ذلك يصبح جاهزًا للاستخدام ووضع عجينة الخبز بداخله”، وأشارت (أم الوليد) إلى أن “أكثر مَن يطلب التنور الفخاري هم من أبناء الريف؛ كونهم يُحافظون على عادات أجدادهم والصناعات القديمة”.
ملهم العمر
المصدر
جيرون