جديد الاعتداءات الإسرائيلية على سورية

منار الرشواني

فيما صارت “روتينية” الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، أصاب التغيير خطاب ما يسمى محور “المقاومة والممانعة” بشأن هذه الاعتداءات. فحتى قبل الثورة، يوم كان نظام الأسد وحزب الله بكامل قدرتهما العسكرية، تمثل الرد دوماً في الشعار المضحك المبكي “الاحتفاظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين”، والذي لم تتحقق شروطه طبعاً على امتداد عقود. أما اليوم، فقد صار هذا الخطاب يقوم فقط على نقل أخبار الاعتداءات الإسرائيلية، بما يشبه وكالة أنباء محايدة! بل ويرد نظام الأسد بقصف المدن السورية وأهلها، كما حصل، مرة أخرى، بقصف منطقة الباب بحلب وجسر الشغور بالتزامن مع الهجمات الإسرائيلية فجر يوم أمس!
ورغم عدم خروجها عن السياق “الروتيني”، فإنه يظل ثمة ما يميز الاعتداءات الأخيرة منذ ليل الخميس الماضي، رداً على صواريخ قالت إسرائيل إنها أطلقت باتجاهها من الأراضي السورية. ولعل الملمح الأول هو امتداد الاعتداءات الأحدث زمنياً بشكل غير معهود في الاعتداءات السابقة. كما أنها تأتي، من ناحية أخرى ذات صلة، عقب التوصل إلى الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي لإيران، المسيطرة على نظام الأسد وحزب الله، والداعمة الرئيسة لحركة “الجهاد الإسلامي” التي حملتها إسرائيل مسؤولية إطلاق الصواريخ من سورية، في ملمح ثالث غير مسبوق كذلك.
فإذا كان واضحاً وجود تباين، بدرجة ما، بين الحكومة الإسرائيلية ومسؤولين إسرائيليين سابقين خصوصاً، بشأن ما إذا كان الاتفاق النووي مع إيران مفيداً لإسرائيل أم العكس؛ وأكثر منه التباين داخل اليهود الأميركيين على الصعيد ذاته، فإنه يظل صحيحاً، في المقابل، الالتقاء الإسرائيلي-اليهودي عموماً على وجوب تحييد أو استئصال أذرع إيران في المنطقة. ومثل هذا الأمر يتحقق بأحد أمرين، رغماً عن كل خطابات ومكابرات “الممانعة والمقاومة”. فإما أن يكون هناك اتفاق إيراني-إسرائيلي، ولو ضمني، تؤكد بموجبه إيران عدم المساس بأمن إسرائيل عبر أتباعها؛ مثل حزب الله و”الجهاد الإسلامي”، وإما أن تبادر إسرائيل إلى تحييد هؤلاء بالقوة.
هكذا، يمكن فهم تحميل إسرائيل المسؤولية عن الهجمات الصاروخية لحركة “الجهاد الإسلامي” التي لم يعرف لها سابقاً نشاط من سورية، ثم الرد على ذلك ضد مواقع عسكرية لنظام الأسد، وليس ضد “الجهاد” في غزة حيث يوجد ثقل الحركة، وبما يضمن بالنتيجة اختبار إيران وذراعها الأقوى حزب الله. بعبارة أخرى، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تُلحق الإهانة بحزب الله الذي صار صاحب الكلمة العليا في مناطق نفوذ الأسد اليوم، فيما لا يستطيع الحزب الرد -إلا بشكل محدود دعائي ربما، كما يبدو واضحاً في المرحلة الأخيرة- كونه ليس المستهدف مباشرة. وأهم من ذلك، أن إسرائيل بردها الأخير ربما تود إيصال رسالة جلية لحزب الله وإيران، بأنها مستعدة لعمليات ممتدة زمنياً في حال تنفيذ أي عمل ضدها، ناهيك عن الضربات الاستباقية التي تنفذها من حين لآخر ضد قيادات في الحزب على الأرض السورية.
لكن، هل أُطلقت الصواريخ بعلم طهران فعلاً كما تقول إسرائيل، أم أن ما يجري “بروفة” لمواجهة إسرائيلية مع إيران ووكلائها على الأرض السورية؟ ومن دون تسوية إسرائيلية-إيرانية، من سيحمي حزب الله في هكذا مواجهة، وقد فقد أهم دعائم قوته، وهو الإسناد الشعبي العربي، ناهيك عن إنهاكه العسكري، منذ أوغل في الدم السوري حماية للاستبداد والفساد؟

المصدر: الغد الأردنية