القاعدة تتحول نحو سوريا لتحدي الدولة الإسلامية


نيويورك تايمز –

قررت القيادة العليا لتنظيم القاعدة في باكستان، التي تضررت بشدة بعد عقد من هجمات الطائرات بدون طيار التي تشنها وكالة الاستخبارات الأمريكية، أن مستقبل الجماعة الإرهابية يكمن في سوريا، فأرسلت سرا أكثر من عشرة مقاتلين من ذوي الخبرة هناك حسبما صرح مسؤولون كبار في الاستخبارات الأمريكية والأوروبية ومسؤولو مكافحة الإرهاب.

ويقول مسؤولون غربيون إن ما يقوم به كبار الجهاديين يعكس أهمية سوريا المتزايدة بالنسبة للتنظيم الإرهابي ، كما ينبئ على الأرجح بتصاعد التنافس الدموي مع تنظيم الدولة الإسلامية.

وقد أُخبر عملاء تنظيم القاعدة بالشروع في عملية إنشاء مقر بديل في سوريا، والاستعداد لاحتمال  إقامة إمارة إسلامية من خلال فرع تنظيم القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، من أجل التنافس مع الدولة الإسلامية، التي انشقت عنها في العام 2013. وسوف يشكل هذا الأمر تحولا مهما لتنظيم القاعدة وفرعها، الذي رفض إنشاء إمارة، أو دولة ذات سيادة، حتى يمهد الأوضاع على الأرض. ويمكن لمثل هذا الكيان أيضا أن يشكل تهديدا إرهابيا متزايدا على الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد تنقل عملاء القاعدة في سوريا ذهابا وإيابا لعدة لسنوات. فقد أوفد أيمن الظواهري، زعيم التنظيم في باكستان، عددا من كبار الجهاديين لدعم جبهة النصرة في عام 2013. وبعد ذلك بعام، بعث السيد الظواهري إلى سوريا بخلية تابعة للقاعدة تسمى خراسان يقول عنها المسؤولون الأمريكيون أنها كانت تخطط لشن هجمات ضد الغرب .

وقال محللون غربيون إن خلق وجود أكثر استدامة في سوريا سوف يمنح التنظيم فرصة لا تقدر بثمن. حيث أن وجود دولة تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا لن يكون مفيدا فقط من حيث اقتراب المسافة من أوروبا ولكن أيضا من حيث الاستفادة من استقطاب عملاء جدد والدعم اللوجستي المقدم من مقاتلي  العراق وتركيا والأردن ولبنان.

وقد أصدر السيد الظواهري أول تصريح صوتي له منذ عدة أشهر في أوائل شهر مايو، وبدا وكأنه يمهد الطريق لقيادة تنظيم القاعدة باستخدام جبهة النصرة من أجل إنشاء إمارة في سوريا بمباركته. ومع ذلك، يعارض بعض قادة النصرة توقيت الشروع في مثل هذه الخطوة، لذلك لم تبدأ النصرة في تنفيذها بعد.

وكتب تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، هذا الشهر في الفورين بوليسي قائلا: “الجمع بين إنشاء إمارة لتنظيم القاعدة وإعادة إحياء نشاط قيادة القاعدة المركزية في شمال سوريا سيمثل دفعة من الثقة لصورة المنظمة الجهادية في  العالم. سوف يقدم تنظيم القاعدة نفسه على أنه الحركة الجهادية الذكية المتسقة والمستمرة التي تبنت استراتيجية أكثر توافقا مع المسلمين السنة خلافا لتنظيم الدولة الإسلامية”.

ويقول السيد ليستر وغيره من الباحثين إن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لهما نفس الهدف النهائي المتمثل في إقامة دولة إسلامية، ولكنهما استخدما تكتيكات مختلفة. فقد تحركت الدولة الإسلامية بسرعة لفرض سيطرتها القاسية والأحادية على الأرض في العراق وسوريا وأعلنت استقلالها. بينما سعت جبهة النصرة بعناية إلى بناء نفوذ على المناطق التي تريد السيطرة عليها، وعارضت مع الجماعات السورية الأخرى حكومة الرئيس بشار الأسد.

ويقول مسؤولون أمريكيون إن الدولة الإسلامية قد حجبت إلى حد كبير نجم تنظيم القاعدة في الساحة الجهادية العالمية، حيث تسرب أعضاء تنظيم القاعدة باتجاه منافستها الأكثر وحشية ودهاء في استخدام وسائل الإعلام. وقد قتل العديد من نشطاء خلية خراسان، بما في ذلك زعيمهم محسن الفضلي، في ثمان هجمات جوية أمريكية في شمال غرب سوريا منذ شهر سبتمبر 2014.

ويقدر محللو الاستخبارات الأمريكية أن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك أعدادا من المقاتلين تتراوح بين 19000 و 25000 مقاتلا موزعين بين العراق وسوريا. بينما تمتلك جبهة النصرة من 5000 إلى 10000 مقاتلا جميعهم في سوريا. وسوف تختلف الإمارة الإسلامية لتنظيم القاعدة عن خلافة تنظيم  الدولة الإسلامية في نطاق طموحها، كما أن إمارة النصرة لن تدعي أنها حكومة تمثل كافة المسلمين في العالم.

ويقول بعض كبار مسؤولي المخابرات ووكالات تنفيذ القانون الأمريكيين والأوروبيين إن التحركات الصغيرة ،ولكنها ثابتة، لعناصر تنظيم القاعدة امهمة والمخططة باتجاه سوريا هي اندفاع يائس إلى موقف محفوف بالمخاطر  في ظل الفوضى السائدة في البلاد. ويقول هؤلاء المسؤولون إن عناصر تنظيم القاعدة في سوريا مصممون على العمل ولكن يتم احتواؤهم.

وقال الكولونيل ستيف وارن، المتحدث العسكري للحملة التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا في بغداد: “كان هناك دائما توافد لعناصر القاعدة على سوريا ولازال مستمرا”.

ومع ذلك، فإن وجود قادة كبار من تنظيم القاعدة من ذوي الخبرة في سوريا –خصصت أمريكا ملايين الدولارات للقبض عليهم_  قد أثار مخاوف في واشنطن وكذلك في العواصم الحليفة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقال جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، هذا الشهر في برنامج ‘واجه الصحافة‘ على قناة ان بي سي “لقد دمرنا جزءا كبيرا من تنظيم القاعدة. ولم يتم القضاء عليه تماما، لذلك علينا أن نستمر في التركيز على ما يمكن القيام به”.

وتنبع التقييمات المتطورة لموقف تنظيم القاعدة وجبهة النصرة في سوريا من المقابلات مع عشرات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين من وكالات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب ومحللين مستقلين، ومعظمهم قد اطلع على معلومات سرية تلقاها عن طريق الجواسيس والتنصت الالكتروني. كما حللوا التصريحات الإعلامية وتعليقات أعضاء القاعدة وجبهة النصرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعتبر سيف العدل هو أحد أهم العناصر التي يركز عليها مسؤولو الاستخبارات الغربيون، وهو عضو بارز في الهيئة الحاكمة لتنظيم القاعدة، والمعروفة باسم مجلس الشورى، وقد أشرف على قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن مباشرة على يد قوات البحرية في باكستان في العام 2011. ويقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكيون إنه من غير الواضح ما إذا كان السيد العدل يقيم في سوريا، أم شمال أفريقيا أم في مكان آخر.

وقد أطلقت الحكومة الإيرانية سراح السيد العدل مع أربعة آخرين من كبار أعضاء تنظيم القاعدة في وقت مبكر من العام الماضي كجزء من صفقة سرية لتبادل الاسرى مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن، الذي كان يحتجز الدبلوماسي الايراني نور أحمد نيكبخت.

ويصنف السيد العدل، وهو عقيد سابق في الجيش المصري يعتقد انه في الخمسينات من العمر، على رأس قائمة  المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالية. وقد تم اتهامه في تفجيرات سفارة الولايات المتحدة في شرق أفريقيا في العام 1998. ورصدت الولايات المتحدة مكافأة بقيمة 5 مليون دولار لمن يدل عليه.

ويقول مايكل سميث من مؤسسةكرونوس الاستشارية للتحليل وأبحاث الإرهاب: “كأحد كبار مستشاري شبكات القاعدة في سوريا وضواحيها المباشرة، يمكن أن يكون العدل مفيدا للتنظيم بشكل خاص في المساعدة على تحديد الاستراتيجيات التي من شأنها أن تساعد الجماعة على تحقيق النجاحات المؤدية للثقة “.

ويشتبه أن الأربعة رجال الآخرين الذين أطلقت  إيران سراحهم موجودون في سوريا أيضا. وهم عبد الخير المصري، وهو مصري قاد سابقا مجلس العلاقات الخارجية لتنظيم القاعدة. وأبو القسام الأردني الذي كان نائبا لابي مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم الذي تحول فيما بعد إلى الدولة الإسلامية. وساري شباب، وهو ناشط أردني. وأبو محمد المصري، وهو مصري ساعد في شن هجمات كبرى لتنظيم القاعدة قبل 11 سبتمبر 2001، بحسب مسؤولين أمريكيين مطلعين على تفاصيل عملية التبادل. وقد وافقوا على مناقشة هذه المسألة بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب الطبيعة السرية للقضية.

ومن غير الواضح كيف ومتى قد يقيم تنظيم القاعدة إمارة في سوريا التي سيسيطر فيها على الأراضي وعلى الأرجح سيشدد من موقفه تجاه جماعات المعارضة السورية الأكثر اعتدالا. وقد تم إنشاء جبهة النصرة في عام 2012 كامتداد لفرع تنظيم القاعدة في العراق – الذي تحول بقيادة أبي بكر البغدادي في وقت لاحق إلى الدولة الإسلامية – من أجل محاربة حكومة السيد الأسد. وفي العام نفسه، وضعت الولايات المتحدة جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية.

ولكن في عام 2013، رفضت جبهة النصرة الانضمام إلى السيد البغدادي عندما أعلن قيام الدولة الإسلامية، وبدلا من ذلك تعهدت بالولاء للسيد الظواهري في باكستان. وقد أدى هذا إلى إشعال تنافس دموي في كثير من الأحيان بين مقاتلي النصرة والدولة الإسلامية في سوريا.

والآن، تسعى قيادة القاعدة إلى وقف خسائرها في باكستان وإحراز ضربة دعائية في سوريا عن طريق إقامة إمارة رسمية. ومع ذلك، يدعم جزء من قيادة النصرة استراتيجية الاستمرار في تكوين قاعدة محلية للجماعة.

وقال السيد ليستر في لقاء معه “إن الخلاف الأساسي يدور حول المدة التي يجب أن تستمر فيها استراتيجية تنظيم القاعدة قبل الكشف عن المزيد والمزيد من الوجه الحقيقي لجبهة النصرة وترسيخ السيطرة على الأراضي من خلال تشكيل الإمارة”.

وترفض العديد من الجماعات السورية التي تقاتل جنبا إلى جنب مع النصرة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد فكرة إعلان الإمارة، خوفا من أن يزيد ذلك من انقسام المعارضة ضد الأسد.

وقال فراس أبو علي ، محلل مؤسسة IHS  في لندن، : “من منظور تنظيم القاعدة الديني، إعلان الإمارة يجب أن يحدث فقط في سياق إمكانية الحكم بفعالية. ومن المفارقات أن يعلن تنظيم القاعدة قيام إمارة إسلامية بينما هناك خلافة يرفضها التنظيم”.