روسيا تواصل الحرب على حلب .. والغرب يفقد البوصلة  


تواصل الأوضاع الميدانية، وكذلك الجهود السياسية المتصلة بسورية المراوحة مكانها، في ظل تعنّت روسيا، ومن خلفها نظام الأسد وإيران، وإصرارهم على الحسم العسكري، مقابل رخاوة وضياع البوصلة عند الطرف الآخر الذي تقوده الولايات المتحدة، بل وبدء انزياح تدريجي من جانب بعض القوى المحسوبة على المعسكر الداعم للثورة السورية باتجاه مواقف روسيا والنظام.

وقد واصلت الطائرات الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد غاراتها على حلب وريفها مستهدفة الأحياء السكنية وما تبقى من مستشفيات ومراكز طبية،  وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها أن الغارات على أحياء مدينة حلب الشرقية خلال أقل من شهر من انهيار اتفاق وقف الأعمال العدائية حصدت 361 مدنيًا، قتلت القوات الروسية منهم 287 مدنيًا، بينهم 82 طفلاً، و46 سيدة فيما قتلت قوات النظام 74 مدنيًا، وسجل التقرير ارتكاب القوات الروسية 33 مجزرة أو اعتداء على مراكز حيوية مدنية، فيما ارتكبت قوات الأسد 3 مجازر، و4 حوادث اعتداء على مراكز حيوية مدنية، كما وثق 6 هجمات بأسلحة حارقة استخدمتها قوات يعتقد أنها روسية، و151 برميلًا متفجرًا ألقاها الطيران المروحي لقوات النظام على الأحياء الشرقية لمدينة حلب.

وتخضع أحياء حلب الشرقية للحصار منذ بداية أيلول 2016 وتشهد ترديًا في الوضع الطبي في ظلِّ نقص الإمكانات الطبيَّة وعجز المشافي والنقاط الطبية عن استقبال أعداد كبيرة من المصابين، إضافة إلى أنّ نظام الأسد وحلفاءه يمنعون دخول المساعدات، وأية عملية خروج أو دخول للأهالي.

وبالترافق مع القصف الجوي، تواصل قوات النظام  مستعينة بالمليشيات الإيرانية محاولاتها اقتحام مدينة حلب، حيث أعلن مقاتلو المعارضة أنهم صدوا المزيد من الهجمات على جبهتي  ميسلون وقسطل حرامي، في حلب القديمة، إثر اشتباكات عنيفة مع قوات النظام، أسفرت عن مقتل العديد منهم، إضافة إلى قتل وإصابة العشرات من قوات النظام وحركة النجباء العراقية خلال محاولتهم التقدم على محور عزيزة .

كذلك تدور اشتباكات متقطعة بين المعارضة السورية وقوات النظام على أطراف حي الشيخ سعيد في مدينة حلب، دون إحراز أيّ طرف تقدمًا على حساب الآخر، بينما تمكن مقاتلو المعارضة من استعادة السيطرة على جميع النقاط التي تقدمت إليها قوات النظام في حي كرم الطراب المتاخم لمطار النيرب العسكري، شرق مدينة حلب، بعد معارك عنيفة مع قوات النظام.

كما واصلت الطائرات الروسية استهداف المستشفيات والمراكز الطبية والحيوية في المدينة، حيث أغارات هذه الطائرات مستخدمة الصواريخ الارتجاجية والعنقودية والفراغية  على مشفى الرازي في حي الأنصاري، ومشفى الصاخور، ومستشفيات البيان في حي الشعار، ما أدّى إلى إصابات في الكوادر الطبية، ودمار في الأبنية والمعدات.

ويؤكد ناشطون أن روسيا تستهدف من خلال قصف المزيد من المستشفيات تهجير سكان حلب الشرقية البالغ عددهم  نحو 300 ألف شخص.

خسائر ايران وحزب الله
واللافت خلال الأيام الأخيرة تزايد عدد قتلى إيران وحزب الله في معارك حلب، واعترفت ميليشيا حزب الله اللبناني بمقتل القائد العسكري في قواتها حاتم حمادة خلال الاشتباكات ضد مقاتلي المعارضة السورية في مدينة حلب.

كما شيعت ميليشيا حزب الله قبل يومين عدد من مقاتليها الذين سقطوا خلال المعارك مع الثوار في سورية.

وكان الحزب نعى قبل أيام المسؤول العسكري البارز محمود أحمد مزنر من بلدة ميفدون جنوب لبنان دون ذكر طريقة موته.

كما أعلن تجمع “فاستقم كما أمرت” التابع للجيش السوري الحر، مقتل عدد من الضباط الإيرانيين وقادة من ميليشيا حزب الله اللبنانية، إثر قصف استهدف مقرًا عسكريًا تابعًا لهم في مدينة حلب.

وتشير معطيات إلى أن ميليشيا حزب الله تكبدت خسائر بشرية كبيرة منذ منتصف الشهر السادس من العام الجاري، وذلك بواقع 35 قتيلاً وعشرات الجرحى، في كلفة هي الأعلى في فترة زمنية قصيرة التي تصيب الحزب منذ مشاركته القتال إلى جانب قوات الأسد في نهاية 2012.

كما نعت وسائل إعلام إيرانية الجمعة واحدًا من أبرز الشخصيات الدينية في إيران، وهو رجل الدين أحمد بياضي، وقالت تلك الوسائل إن البياضي قتل  “خلال دفاعه عن مزار السيدة زينب في ريف دمشق” على حد وصفها، حيث أطلق على بياضي لقب “حجة الإسلام”، والذي يمنح في إيران لذوي المراتب المتقدمة في الفقه والعقيدة الشيعية الإثني عشرية.

ونعت أيضًا مجيد سليمانيان، الذي قُتل في معارك خان طومان المستمرة مع فصائل “جيش الفتح” و الملقب أيضًا بـ”حجة الإسلام”، كما قتل ما لا يقل عن 4 عسكريين إيرانيين في سورية بتاريخ 24 أيلول المنصرم، بينهم القائد العسكري لميليشيات “عصائب أهل الحق” العراقية، وذلك خلال مواجهات مع الثوار في حلب.

سقوط دابق
ومن التطورات البارزة خلال الايام الأخيرة سقوط بلدة دابق ذات الأهمية الرمزية لدى تنظيم الدولة ( داعش) بيد مقاتلي المعارضة المنضويين في إطار قوات “درع الفرات” التي تدعمها تركيا.

ومع سقوط دابق، تلقت خطة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري زخمًا جديدًا، حيث انطلقت فصائل المعارضة باتجاه مدينة مارع الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، لتفك الحصار عنها من جهة الشرق.

ومع هذا التقدّم، تكون فصائل المعارضة قد سيطرت على نحو ألفي كيلومتر مربع في الشمال السوري، في المثلث الممتد بين جرابلس ومارع وإعزاز، وذلك منذ بدء عملياتها في 24 أغسطس/آب الماضي، وهو ما يمهد لإقامه منطقة آمنة ممتدة من جرابلس شرقًا وحتى إعزاز غربًا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أعلن أن بلاده تخطط لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري على مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، ما يعني أن عملية “درع الفرات” سوف تتواصل باتجاه الجنوب، وتحديدًا مدينة الباب.

وشكلت سيطرة الثوار على دابق ضربة لبعض المرتكزات العقيدية التي يتكئ عليها تنظيم الدولة، والتي تقول إن هذه البلدة ستشهد المعركة الفاصلة في نهاية الزمان بين المسلمين والكفار. وبررت مجلة “النبأ” التابعة للتنظيم الانسحاب من دابق بأنه في إطار الكر والفر مع “الكفار والصحوات” وهو يمثل معركة دابق الصغرى، وليس ملحمة دابق الكبرى.

تحركات سياسية .. وروسية

وتترافق هذه التطورات على الأرض بتحركات سياسية مكثفة في الساحة الدولية توجت بعقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية في مدينة لوزان السويسرية ، تبعه لقاء آخر في العاصمة البريطانية لندن.
وفي كلا الاجتماعين لم تصدر قرارات واضحة حيث تواصلت الخلافات بين روسيا وبقية المجموعة الغربية والإقليمية، وكان اللافت فقط تصريح أدلى به بعد الاجتماع وزير الخارجية التركي شاوويش أوغلو وصف فيه جبهة النصرة بأنها تنظيم ارهابي وطالب بانسحاب عناصرها فورًا من حلب الشرقية، باعتبار ذلك شرط لوقف الغارات على المدينة وإدخال مساعدات إنسانية إليها، وهو ما ينسجم مع الموقف الروسي.
وبعد اجتماع لندن، تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن “أفكار جديدة” يفترض أن يتم توضيحها في الأيام المقبلة لمحاولة التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار أكثر متانة من الهدنات السابقة حسب تعبيره.

وبالتوازي مع هذه التحركات السياسية غير المنتجة، حركت روسيا مجموعة سفن حربية  تتقدمها حاملة الطائرات “كوزنيتسوف”  وعلى متنها خمسين طائرة، وترافقها أكبر سفينة حربية في العالم، هي سفينة “بطرس الأكبر”، قاصدة الساحل السوري، وفق ما نقل موقع “روسيا اليوم”.

وذكر أسطول الشمال الروسي أن الهدف من وراء إرسال مجموعة السفن الروسية إلى سورية هو “ضمان الحضور العسكري البحري الروسي في مناطق حيوية وهامة في مياه العالم، وتأمين الملاحة البحرية، وحماية كافة النشاطات الاقتصادية البحرية لروسيا الاتحادية، ومواجهة التحديات الجديدة، بما فيها القرصنة البحرية والإرهاب الدولي” على حد وصفها.

وتحمل “كوزنيتسوف” إلى شرق المتوسط، حسب المصادر العسكرية الروسية، مقاتلات “ميغ-29 KR”، و”ميغ 29-KUBR”، ومقاتلات “سو-33” البحرية، إضافة إلى مروحيات “KA-52″ الملقبة بـ”التمساح”.

وسوف يتيح هذا الوجود العسكري البحري الروسي على سواحل سورية استخدام الطائرات البحرية لأول مرة في هجمات حقيقية، وهو ما أكده الفريق أول ليونيد إيفاشوف، الذي قال: “سوف يتسنى لنا وللمرة الأولى في تاريخ روسيا المعاصر استخدام الطائرات البحرية في القتال الفعلي لا في المناورات،  وسيوكل للمروحيات والطائرات الحربية التي تحملها “كوزنيتسوف” الإقلاع وتنفيذ مهام معينة، فيما لم يسبق أن جرى استخدام الطائرات البحرية لتنفيذ مهام فوق اليابسة”.

وكان مجلس “الدّوما” الروسي، صادق في الـ7 من تشرين الأول، على الاتفاقية المبرمة بين روسيا الاتحادية ونظام الأسد ، حول بقاء القوات الجوية الروسية العاملة في مطار “حميميم”، وتشريعهم وجود القوات الجوية الروسية في سورية.
وتتيح الاتفاقية لموسكو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية والإمدادات لنظام الأسد، وضمان أمن عسكرييها وظروف معيشتهم في سورية، دون خضوع السفن والطائرات الروسية لأي رسوم ، كما تضفي على العسكريين الروس وعائلاتهم الحصانة الممنوحة للدبلوماسيين لدى عبورهم حدود سورية والإقامة على أراضيها.

 



صدى الشام