غلوبال رسك انسايتس: ما هي النتيجة الأكثر احتمالا لأزمة قطر؟


نشر موقع “جلوبال رسك إنسايتس” دراسة بعنوان “ما هي النتيجة الأكثر احتمالاً لأزمة قطر؟” سلّط من خلالها الضوء على العواقب الأكثر احتمالاً لأزمة قطر؛ نظراً لأن الأزمة الدبلوماسية الناجمة عن العقوبات المفروضة على قطر تثير أسئلةً جديدةً تتعلق بالبيئة السياسية والاقتصادية في الخليج.

وقال الموقع: إنه “بعد أسبوعين فقط من زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، قطع العديد من أعضاء مجلس التعاون الخليجي وكذلك مصر علاقاتهم الدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية، مع قطر. وقد بادرت المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، واليمن، باتخاذ هذا القرار المهم. وبعد أيام انضمت إليهم كل من موريتانيا وجزر المالديف”.

وأضاف الموقع أن التدابير المتخذة في حق قطر تعتبر صعبةً وشاقّةً بالنسبة لها؛ لأن ما تعيشه ليس مجرد إغلاق للسفارات. ففي سنة 2014 واجهت قطر أزمةً دبلوماسيةً مع جيرانها الذين أغلقوا سفاراتهم احتجاجاً على سياسة الدوحة الخارجية. وقد تمّ حل الأزمة باتفاقٍ ادّعت المملكة العربية السعودية أن دولة قطر لم تحترمه.

بالإضافة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، قرّرت الدول الخمس هذه المرة فرض حصارٍ اقتصاديٍّ كبيرٍ على قطر، تلك الإمارة الصغيرة التي تملك قوةً ماليةً كبيرةً. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس التعاون الخليجي يعيش في الوقت الحالي أسوأ أزمةٍ دبلوماسيةٍ منذ إنشائه في سنة 1981.

ما هي جذور هذه الأزمة؟

أشار الموقع إلى أن السبب الرسمي الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها هو أن قطر تقوم بدعم عديد من الجماعات الإرهابية في المنطقة، لا سيما في سوريا. ومن وجهة نظر السعودية؛ تساهم السياسة الخارجية التي تتّبعها قطر في زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، وتشكّل خطراً محتملاً على جميع البلدان المجاورة.

وبطبيعة الحال، تعدّ الحقيقة التي تقف خلف فرض هذه العقوبة غير المسبوقة ضدّ قطر أكثر تعقيداً، فضلاً عن أن لكل بلد أسبابه الخاصة التي تدفعه إلى مساندة هذا الحظر.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية؛ يتمثل السبب الأول في فرض هذا الحظر على قطر في العلاقة الودية التي تربط قطر بخصمها الإقليمي؛ أي جمهورية إيران الإسلامية.

وفي الواقع تركز السياسة الخارجية للمملكة الوهابية بشكل كبير على محاولة إضعاف إيران وعزلها؛ بسبب تدخلها الكبير في المنطقة منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق خلال سنة 2003. والجدير بالذكر أن هناك إجماعاً نسبيّاً بين دول مجلس التعاون الخليجي على عزل إيران. ولكن بالنسبة لقطر فإنها تعتبر طهران شريكاً مهمّاً في المنطقة، كما أن الحفاظ على علاقةٍ جيدةٍ مع جارتها العملاقة أمر استراتيجيٌّ للغاية.

أمَّا بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن دعم قطر للإخوان المسلمين هو مفتاح اعتمادها على عقوبات مجلس التعاون الخليجي. فضلاً عن ذلك؛ تعتبر دولة الإمارات وجود العديد من قادة الإخوان كلاجئين في قطر والواقع السياسي لدولة الكويت، حيث يملك حزبٌ إسلاميٌّ مقرّبٌ من الإخوان الأغلبية في مجلس النواب الكويتي، تهديداً يلوح في الأفق لنموذج النظام السياسيّ الخاص بها.

بالنسبة لمصر؛ وعلى غرار دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الهدف من وراء فرض هذه العقوبات هو دفع قطر إلى وقف دعمها السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وحركة “حماس”.

والجدير بالذكر أن الرئيس المصري الحالي جاء إلى السلطة من خلال تدبير انقلابٍ عسكريٍّ ضدّ محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وتجدر الإشارة إلى أن دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين من شأنه أن يضعف استقرار النظام العسكري المصري. علاوةً على ذلك، كانت قناة الجزيرة تغطي أحداث الربيع العربي وعملية التطهير الهائلة ضد الإخوان في مصر، وتبدي موقفاً يجسّد نسبيّاً الموقف القطري.

وبالنسبة لمصر والسعودية اللتين تحاولان قيادة المنطقة، فإن قناة الجزيرة تشكل عقبةً كبيرةً. وباعتبارها أحد أكثر القنوات الإخبارية شعبيةً في العالم العربي والمغتربين العرب، فإن الجزيرة كانت لاعباً رئيسياً في إظهار القمع العنيف ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، ومواقف البلدان العربية من الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، واستمرار القصف على اليمن.

ولذا كانت الجزيرة عائقاً محبطاً لانتشار شعبية هذين النظامين في المنطقة. وعلى الرغم من أنهما يعتبران من أكبر القوى العسكرية العربية، إلا أنهما لم يتمكنا من فرض سياساتهما على المنطقة. ولذلك يريد كل من  الملك سلمان والرئيس السيسي إغلاق قناة الجزيرة، حتى إنهما قد وضعاها على رأس قائمة المطالب لإنهاء العقوبات المفروضة على قطر.

ولهذه الأسباب الثلاثة الخاصة يزيد الائتلاف من حجم ضغوطه على قطر يوماً بعد يوم.

ما هي العواقب المباشرة لهذه العقوبات؟

ونظراً لارتفاع نصيب المواطن القطري من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم، تعرف عائلة آل ثاني في قطر أن الضغط الذي تمارسه دول الجوار على اقتصادها لن يؤثر على دعم السكان للنظام الملكي. فضلاً عن ذلك يعدّ خطر اندلاع الثورة في قطر أو تغيير في نظام من قبل الوكالات الداخلية أو الخارجية مستبعداً تماماً؛ ممَّا يفسر عدم وجود رد فعل عنيف أو ذعر من قبل السلطات القطرية.

علاوة على ذلك يعتبر الغاز المورد الرئيسي لقطر، علماً أن صادرات غاز هذا البلد تمر أساساً عن طريق البحر. وفي حين أن قطر لا تزال قادرة على التصدير من خلال المياه الدولية، عبر الساحل الإيراني وسلطنة عمان، فإنه يتعين عليها مواجهة التحدي المتمثل في إيجاد موانئ جديدة، خاصة أنه لم يعد مسموحاً للسفن القطرية المرور عبر ميناء إمارة الفجيرة، الذي يقع في الإمارات العربية المتحدة، التي تملك بدورها أكبر مركز للوقود التصديري في الشرق الأوسط.

ونتيجة لذلك اضطرت قطر إلى حجز محطات جديدة للتزود بالوقود في جبل طارق، وسنغافورة، وغيرها من مراكز الوقود البحري. وما دامت قناة السويس مفتوحة أمام سفن قطر، فإن الاضطراب الناجم عن الحصار المفروض عليها سيكون طفيفاً. ويعزو كثيرون عدم حظر السفن القطرية من المرور عبر قناة السويس إلى رغبة مصر في الحفاظ على القناة كمنطقة حرة وموثوق بها للملاحة.

كما تصدّر الدوحة الغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب قادرة على ضخ 3.2 مليارات قدم مكعب يومياً من الغاز، تمر عبر الإمارات وعمان. وإذا قررت قطر إيقاف تشغيل خط الأنابيب رداً على عقوبات دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك سوف يسبب مشكلة كبيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث إمدادات الكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف، عندما ترتفع درجة استهلاك الكهرباء.

أمَّا عُمان، التي لا يروق لها الهيمنة السعودية في المنطقة، فيمكن أن تلوم الرياض بسبب نقص كميات الغاز الخاص بها.

ويتمثل التحدي الرئيسي الذي تواجهه قطر في تأمين واردات المواد الأساسية؛ حيث إن قطر تعتمد إلى حد كبير على الواردات الغذائية؛ والتي يأتي 40 بالمئة منها من حدودها مع المملكة العربية السعودية. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فقد أوقفتا صادرات السكر إلى قطر، وهو منتج ذو استهلاك مرتفع خلال شهر رمضان.

علاوة على ذلك تمر العديد من الواردات عبر “ميناء جبل علي”، الذي يعد الأكبر في الخليج العربي، والواقع بالقرب من دبي. وقد عرضت إيران بالفعل فتح موانئها التجارية أمام السفن القطرية، ولكن الخطر السياسي لهذا الاتفاق أنه  من الممكن أن يزيد من العقوبات المفروضة على قطر.

بالإضافة إلى الواردات الغذائية تتأثر الخطوط الجوية القطرية مباشرة بهذه العقوبات؛ نظراً لأن الخطوط الجوية القطرية ومطار الدوحة الدولي يزدهران فقط بسبب الرحلات الجوية. وفي الحقيقة مع حظر التحليق الذي فرضته مصر والمملكة العربية السعودية، سيحاول العديد من المنافسين للخطوط الجوية القطرية، على غرار طيران الإمارات والخطوط الجوية التركية، أخذ حصتهم من السوق الجوية خلال هذه الأزمة.

ماذا بعد؟

يُظهر رد فعل محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رفض قطر تغيير سياستها الخارجية وعزمها على مواجهة العقوبات. وبذلك ستكون قطر مُجبرة على أن تقبل عرض إيران المتعلّق بإتاحة موانئها، واستخدام طائرات شحن الخطوط الجوية القطرية لتجاوز الحظر.

وفيما يتعلق بالأزمة الدبلوماسية، ستحاول الدوحة ضمان أمنها المباشر مع تركيا، التي تشترك معها بالفعل في عديد من المواقف الدبلوماسية في المنطقة، فضلاً عن الولايات المتحدة التي توفر لها العديد من الضمانات في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سوريا.

أمَّا فيما يخص استراتيجية قطر فهي تبدو واضحة؛ إذ إنها تريد تجنب المواجهة مباشرة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، في حين أنها تسعى لإيجاد طرق للتحايل على الحصار، من خلال ربط علاقات مع شركاء دوليين جدد.

ماذا يمكننا أن نتعلم من هذه الأزمة؟

إن استراتيجية القوة الناعمة التي تتبعها السياسة الخارجية القطرية مع قناة الجزيرة وتنظيمها لكأس العالم لسنة 2022، فضلاً عن استثماراتها الضخمة في الدول الغربية، لم تكن كفيلة بحماية قطر من الضغوط الخارجية.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر قطر موطناً لقاعدة عسكرية أمريكية، هي الكبرى في المنطقة. أما اليوم فتكتشف الدوحة أن الوضع لا يشبه الغزو الكويتي خلال سنة 1990؛ خاصة أن كل دولة غربية تملك مصالح استراتيجية مع قطر لها كذلك مصالح أكبر مع آل سعود.

ومنذ بداية الأزمة كانت مواقف واشنطن، ولندن، وباريس تجاه الأزمة القطرية تبدي قدراً من التحفظ، حتى إنهم لم يعربوا عن دعم واضح لقطر. وعلى الرغم من أن قطر تحظى في الوقت الراهن بدعم قوتين إقليميتين كبيرتين، هما إيران وتركيا؛ إلا أن الموقع الجغرافي لدولة قطر يضعها تحت رحمة دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية.

في الوقت الحالي يحاول أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أداء دور الوسيط في هذا الصراع. وفي الواقع يعتبر الأمير من الأشخاص الذي يملكون نظرة ثاقبة على الوضع الخليجي، حيث إن بلده قامت بدور مهم في أزمة التسعينات.

فضلاً عن جميع العلاقات التي تربطها قطر مع دول الغربية، يبدو أن تركيا هي القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكن أن تواجه المخاطر الدبلوماسية الناجمة عن إنقاذ الإمارة الصغيرة. وفي الفترة المقبلة، سوف نشهد بالتأكيد تطبيق الشراكة الاستراتيجية بين قطر وتركيا، الذي سيكون له تأثير معاكس على النتيجة التي ترجو المملكة العربية السعودية تحقيقها.

وبعيداً عن عزل قطر وسياستها الخارجية، قد نشهد ظهور تكتل جديد في الشرق الأوسط يجمع بين القوة الإقليمية لتركيا والقوة المالية لدولة قطر، والذي سوف يكون في مواجهة حادة مع السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية.

الكاتب:  أنس عبدون

الصحيفة: غلوبال ريسك انسايتس

المصدر: ماهي النتيجة الأكثر احتمالاً لأزمة قطر؟




المصدر