الاستفتاء الكردي وبيئته العامة



يكاد يكون من المسلّم به، أن الاستفتاء حول إعلان استقلال إقليم كردستان العراق سيتم، وسيقول الأكراد كلمتهم في تأييده حسب المؤشرات المعلنة في المستويات الشعبية والسياسية والرسمية، التي تشير إلى أن الأكراد راغبون في أن يكون لهم كيان سياسي خاص في المنطقة لطالما فكروا وحلموا به. وهو حق لا يمكن لأي كان أن يعارضهم فيه تحت أي حجة، ذلك أن كل دول المنطقة لها هويات «قومية»، بما فيها الدول المكوَّنة من طيف إثني وثقافي وديني وطائفي تعددي، على نحو ما هي عليه الدول المحيطة بإقليم كردستان في إيران وسوريا وتركيا والعراق ذاته.
لقد فجع الأكراد بنتائج اتفاقية «سايكس – بيكو»، التي رسمت خريطة شرق المتوسط في بدايات القرن الماضي، لأنها غيبت حضورهم المستقل في تلك الخريطة، ثم عانوا الكثير بسبب سياسات عنصرية واستئثارية؛ إرهابية وبوليسية، مورست ضدهم، وكان الأكراد في تعبيراتهم السياسية هدفاً لحروب امتدت على مستوى أغلب دول الإقليم على مدار عقود متتالية، من أجل منع تبلور كيان كردي، بل لمنع استمرار الشخصية الكردية بالحضور الثقافي والاجتماعي في تلك الدول… وهذا كله، كان محرضاً لسعي الأكراد نحو كيان مستقل، وهو حق لا منازعة فيه.
إن المشكلة لا تكمن في حق الأكراد في الاستفتاء وإقامة كيان كردي، إنما تكمن في البيئة العامة، التي يجري فيها الاستفتاء، والتي تخلق مزيداً من المخاوف عليه وضده من جهة أخرى، مما يعزز نزعة معارضته من جانب شعوب المنطقة وجماعاتها السياسية ودولها لاعتبارات راهنة وأخرى مستقبلية، لأن البيئة تؤشر لولادة كيان لا يتوافق مع مصلحة الجميع؛ بما فيها مصلحة الأكراد أنفسهم.
والأهم في ملامح بيئة الاستفتاء، أنه سيتم في وقت تتعرض فيه المنطقة ودولها لحروب مصيرية، تعصف بكياناتها وبشعوبها، بحيث تضع الكيانات بمواجهة التفتيت، وتضع الشعوب بمواجهة القتل والتهجير وتدمير قدراتها، وتدفعها إلى مستقبل غامض، مما يرفع وتيرة التوجس والخوف من أي مشروع، خصوصاً إذا كان مشروع ولادة كيان جديد.
كما يأتي الاستفتاء في ظل موجة غير مسبوقة من التطرف والإرهاب التي يتشارك فيها تطرف وإرهاب جماعات مثل «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، مع إرهاب الدولة على نحو ما يظهر في سياسات وممارسات نظام الأسد في سوريا ونظام الملالي في إيران، وتدعمه منظومة إقليمية ودولية، تحت شعار «محاربة الإرهاب» الفارغ من المضمون عملياً؛ إن لم نقل إنه يساعد على استمرار الإرهاب وتصاعده.
وبين الملامح الأساسية للبيئة العامة المحيطة بالاستفتاء، تصاعد موجة التعصب والعنصرية، في دول المنطقة، ونشر العداء المتبادل بسبب ومن دون سبب، خصوصاً لدى بعض الأكراد ممن يعتقدون أن مشروع إقامة كيان كردي، يمر من بوابة العداء لمحيطهم، فلا يوفرون فرصة في استعداء شعوبهم الشقيقة من عرب وأتراك وإيرانيين، وذلك خلافاً لحقيقة أن المشكلة لا تحل بالعداء المتبادل، وليست بحاجة له، لأنها بالأصل حق الأكراد في إقامة كيان لهم.
وثمة ملمح آخر في البيئة المحيطة بالاستفتاء، تتصل بنشاطات حزب العمال الكردستاني (PKK) وتنظيماته التابعة، لا سيما في سوريا؛ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يعكس سياسة متطرفة (بما فيها معارضة الاستفتاء والاعتداء على مؤيديه)، تجري متابعتها بالقوة من خلال علاقات مع نظامي الأسد في سوريا وملالي إيران، ودعم مباشر من الولايات المتحدة وتأييد روسي لتلك السياسة.
والنتيجة في هذه البيئة، ازدياد مخاوف شعوب المنطقة وجماعاتها السياسية ودولها، بل تزيد المخاوف على الاستفتاء ونتيجته المرتقبة في تأييد إقامة الكيان الكردي الذي يطمح له الأكراد.
إن التوجه نحو الاستفتاء وإقرار قيام كيان كردي، يتطلب التوجه نحو تغيير البيئة المحيطة، أو ما يمكن تغييره منها على الأقل، وفي هذا ينبغي أن تتكاتف جهود الأكراد وأشقائهم من شعوب المنطقة، وإقامة توافقات مشتركة تتضمن السعي إلى وقف الحروب القائمة، وتخفيف التوترات والاتهامات المتبادلة، والاتحاد في مواجهة التطرف والإرهاب؛ سواء إرهاب الجماعات أو إرهاب الدول، ونشر قيم التسامح والتعاون المشترك من أجل المستقبل.
إن الأكراد والعرب والإيرانيين والأتراك، لهم مصلحة مشتركة في منطقة سلام وعدالة ومساواة، يعيشون فيها، وقيام كيان كردي في المنطقة، ينبغي ألا يخل بهذه المعادلة، إنما عليه أن يعززها ويقويها. إن فهماً لكيان كردي يمكن أن يولد وفق هذه المعادلة، من شأنه أن يطمئن الجميع على المستقبل، وواجب الجميع السير جدياً وعملياً على هذه الطريق.

(*) كاتب سوري




المصدر
الشرق الأوسط