لماذا الملتقى الوطني الثوري السوري؟



بعد ما يقارب السبع سنوات، يقف الشعب السوري وقواه الوطنية والثورية أمام تحديات مصيرية بكل المقاييس. ويحتاج لتجاوزها إلى إرادة ورؤية سياسية واضحة، وإلى تصميم على المضي بالثورة وعدم الاستسلام. وبداية نحتاج إلى إلقاء نظرة تقييمية جريئة شفافة لمسيرة الثورة، بإيجابياتها وسلبياتها.

الثورة السورية هي ثورة شعب لم يعُد يحتمل الظلم والاستبداد والحرمان، قام بها شباب غير مُسيّس أراد تحقيق الحرية والكرامة، ليس له فحسب، بل لكل السوريين أينما كانوا. وقدم هؤلاء الشباب أغلى ما يملكون: حياتهم، من أجل تلك الأهداف والقيم النبيلة.

نعرف جميعًا -ويعرف العالم- ماذا فعلت في سورية مافيا الأسد ومن يدعمها، داخليًا وإقليميًا ودوليًا. والنتيجة مرعبة وغير مسبوقة: مليون شهيد، و14 مليون مهجر، نصفهم خارج سورية، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وملايين المعاقين جلهم من الأطفال والشباب، وملايين الأطفال حُرموا من المدارس والتعليم، وجرى تدمير ملايين المنازل، وتدمير البنية التحتية والاجتماعية. ويقول الخبراء الدوليون إن إعادة إعمار سورية تحتاج إلى حوالي 300 مليار دولار. ومع ذلك فحلفاء المافيا الأسدية، الذين لا يختلفون عنها كثيرًا، مستمرون في دعمها ورعايتها وتلميع صورتها، بالرغم من أن هذه المافيا استخدمت كل أنواع الأسلحة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، ضد شعب طالب بالحرية ودافع عن كرامته وحقه في الحياة الإنسانية. ونعرف أن المافيا الأسدية نجحت في أسلمة الثورة وعسكرتها وإبعادها عن مسارها المدني والسياسي السلمي؛ فجلبت لنا -بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية- قطعان الإرهابيين يحملون رايات سوداء، يدّعون أنهم يمثلون الإسلام ويطبقون الشريعة الإسلامية. والحقيقة أنهم لا يمتون إلى الإسلام بصلة، ويتسترون بشعارات مزيفة؛ فالإسلام دين التسامح والرحمة وتقبل الآخر، وعلى الأقل شعبنا السوري أغلبه مسلم، ولكنه كان يحترم الآخر، وهو شعب معتدل ولا يعرف التعصب الديني والطائفي والقومي. المافيا الأسدية، عبر وسائلها المختلفة، نشرت الطائفية والتعصب والتفرقة حتى بين أبناء العائلة الواحدة سيرًا على مبدأ: فرّق تسُد.

من جهة أخرى، قامت مافيا الأسد بتصفية خيرة الناشطين الشباب أو بتشريدهم، واخترقت هياكل المعارضة، وساهمت في تحويل أغلب قادة الفصائل المسلحة، وخاصة المتطرفة منها، إلى أمراء حرب، وشجعت انتشار التطرف الديني الذي أخاف الأقليات والفئات المعتدلة. فهل يُعقل أن يخاف الناشطون والمعارضون دخول المناطق المحررة من النظام الأسدي! حيث سلوك تلك المجموعات التي تدير المناطق المحررة، وبخاصة في مناطق إدلب، يبعث الرعب في النفوس، فهل يعقل أن تصدر وزارة العدل في “حكومة الإنقاذ” تعميمًا يفيد بأن على القضاة والمحامين أن يقدّموا اختبارًا، للتأكد من مستوى إيمانهم!! وماذا نقول عن المحامي المسيحي؟ أعليه اعتناق الإسلام مثلًا؟! وإلا كيف يمكن اختبار إيمانه؟ أين وحدة الشعب السوري والمساواة في الحقوق؟ بصراحة: هذه مهزلة وفضيحة. نحن نريد دولة مواطنة، وليس اختبار إيمان المحامين والأساتذة والأطباء وغيرهم. ألا يذكركم ذلك باختبارات “حزب البعث” وسلطة الأسد للمتقدمين إلى مسابقات التوظيف، حيث كانوا يختبرون معرفتهم للثقافة القومية الاشتراكية التي تعني -بمفهومهم- معرفة أمجاد المقبور حافظ الأسد، والمنطلقات النظرية لحزب البعث، التي لا علاقة لها بالواقع وبالممارسات الحقيقية.

هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “شرعيي الثورة” هم من قتَل الثورة بتخلفهم وبفتاواهم، وهم من ساهم في تشتيت القوى المعارضة المسلحة، وبسطوا هيمنتهم على الثورة، وأغلبهم أميون حفظوا بضع آيات وأطلقوا لحاهم وقصروا قمصانهم. تبًا لهم جميعًا، ولمن نصبهم شرعيين يتسلطون على رقاب الثوار الحقيقيين، ويشوهون صورة الثورة الشعبية اللا دينية، ويذكروننا بالعصور المتخلفة. وهؤلاء أيضًا الإسلام منهم براء، فدورهم لا يختلف عن دور (داعش) و(القاعدة).

ومعارضتنا العتيدة التي تسلقت على ظهر الثورة، ونصبت نفسها وصية عليها إلى الأبد، وافتقدت أي خطة مدروسة، ومارست الأعمال، بما فيها المنافية للأخلاق والشعور الوطني، من فساد مالي وتسلط ومتاجرة بدماء السوريين، وإقصاء النخب الوطنية الحقيقية، والتبعية لإرادة القوى الأجنبية التي تخلت في نهاية المطاف عن قضية السوريين نهائيًا. لا تصدقوا أن يحترم أحدٌ شخصًا يبيع قضيته، يمكن أن يُحقق مكاسب خاصة وحزبية، لكن التاريخ سيلعنه والشعب أيضًا. والأمثلة أكثر من أن تحصى.

أبسط ما يقال عن المعارضة أنها لم تضع خطة استراتيجية واحدة على كافة المستويات، لقيادة الثورة وتحقيق انتصارها، بل ابتلى الله هذه الثورة بالعديد من الشخصيات والقوى المعارضة التي إما أن عقولها متخلفة في العمل السياسي، وإما أنها لا تمتلك الحس الوطني الكامل، أو أنها أصلًا سعت لتدمير الثورة على مراحل. والأمثلة كثيرة، وبخاصة أن بعض فصائل المعارضة السياسية لعبت أدوارًا أخطر من مافيا الأسد؛ لأنها عرقلت، من داخل الثورة وفي الساحة الدولية، أي تقدم للثورة، وعارضتها أكثر من معارضة النظام، ولكل “معارض مفبرك” دور محدد يلعبه في زمن محدد. وبصراحة: جاءت بعض المنصات المفبركة من قبل القوى التي لا تريد الخير للثورة، لتزيد الطين بلة.

الثورة السورية، العظيمة باعتراف كل من لديه أدنى قدر من الضمير، أصبحت، في مزاد القوى الإقليمية والدولية، ورقةً يتاجرون بها لحل صراعاتهم الجيوسياسية، وتحقيق أجنداتهم التي تعكس مصالح قوى وخطط، بعضها معلن والبعض الآخر لغز يبحث عنه المحللون.

ثورة بلا قيادة وبلا أصدقاء وبلا حلفاء! والسبب نعرفه جيدًا، وهو أن هذه الثورة لو نجحت؛ لهددت عروش حكام المشرق كله. ولذلك عمل الجميع على وأد الثورة مع توزيع الأدوار في التعامل معها. فمنهم من أعلن دعمه الكامل لها، ومنهم من ساندها بالشعارات الجميلة، ولكن الحقيقة أنهم جميعًا ساهموا في تدمير هذه الثورة؛ إذ إنهم أعاقوا تقدمها، أو ساهموا بخلق تلك القوى المتطرفة والإرهابية، أو قطعوا الدعم عن الثورة وقيدوا حركتها، بحيث لم يسمحوا لها بالانتصار على مافيا الأسد. أغلب دول العالم تحكمها مافيات، فكيف لهم أن يتخلوا عن إحدى أهم المافيات التي لعبت أدوارًا مشؤومة في المنطقة بطلب من أسيادها.

لم تجدِ نفعًا كل جولات جنيف بنسخها الثمانية، ولا لقاءات أستانا الثمانية؛ لأنها اصطدمت بموقف متعنت من مافيا الأسد المدعومة من حلفاء مخلصين، بينما خسرت معارضتنا كل داعميها شيئًا فشيئًا، وهي تتشبث بآخر شعرة من ذنب آخر دولة (صحيح بشار الأسد ذنَب لكن روسيا تدافع عن ذنَبها، ولم تتخل عنه حتى اليوم) أو سفارة، لكي يقولوا إن تيلرسون صرح بكذا، ووزير خارجية فرنسا قال كذا، وغيره صرح كذا… يلهثون ويحاولون تطمين أنفسهم، وهم ينتظرون مصيرهم المأسوي، ولا يفكرون بمصير الشعب السوري الذي شُرِّد لدرجة أنه فقد كل شيء، وأصبح يعيش في العراء، ليس له إلا الله.

مع ذلك، فمعارضتنا صامدة في مناصبها، ولا تخجل مما حصل، ولا تعترف بأخطائها، بل تحاول تبرير كل ما فعلته، فقد نصبوا أنفسهم أو نصبوهم على قلوب السوريين (الائتلاف انتخب عام 2012 أي أكمل 5 سنوات، علمًا أن أعتى البرلمانات، المنتخبة من الشعب، تنتهي صلاحيتها بعد 5 سنوات، والائتلاف معين من قبل الدول، وليس من قبل الشعب السوري). فهل سنشهد استقالة جماعية من الائتلاف احترامًا للذات! أشك في ذلك.

الأنكى من كل ذلك، أن مَن يحتل سورية (إيران وروسيا)، يريدون فرض دستور وقواعد انتخابية ورقية، تحت إشراف المخابرات السورية المعروفة بارتكابها لأبشع الجرائم بحق السوريين، ويحضرون لمؤتمر كرنفالي في منتجع سوتشي، ليكرّسوا استسلام السوريين لمافيا الأسد، فصراع مافيا الأسد ضد الشعب السوري هو جزء من صراع المافيات العالمية ضد شعوبها، ولذلك اتفقت المافيات على كسر إرادة السوريين وإرجاعهم إلى حضن المجرم بشار الأسد. فمستقبل منطقتنا تريد أن تقرره المافيات من شبيحة وغيرها، بقيادة المافيا الأميركية الصهيونية العالمية، ومن يدور في فلكها وينفذ أجنداتها.

مؤتمر سوتشي يراد منه الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة التي توصي بتحقيق عملية انتقال سياسي في سورية، تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية لا مكان للأسد فيها. ولكنهم دائمًا يخطئون، عندما يتجاهلون دور الشعوب، لأن الشعوب لا تموت بل هي باقية. وفي ظل ضغوطات دولية من قِبل روسيا وغيرها لسحب المعارضة إلى سوتشي؛ للتوقيع على صك الاستسلام والتنازل عن حق الشعب السوري في اختيار مستقبله الحر وبناء سورية الديمقراطية الجديدة؛ تداعى مجموعة من الناشطين وممثلي القوى الثورية والوطنية المستقلين، من داخل سورية وخارجها، لعقد ملتقى وطني ثوري سوري، يؤكد على رفض مؤتمر سوتشي الذي يمثل إرادة المحتلين والطغاة، وحماية أهداف الثورة السورية في تحقيق التغيير السياسي الشامل، والخلاص من كل أشكال الاضطهاد والطغيان، وتحرير سورية من الاستبداد والاحتلال إلى الأبد.

يمثل المشاركون في الملتقى فئات واسعة من الشعب السوري، من عشرات المدن في داخل سورية، وفي بلدان الاغتراب والتهجير القسري، وسيعملون على إظهار الصوت الوطني الثوري المستقل للشعب السوري، ويعملون على اختيار هيئة لمتابعة أمور الثورة، وفتح حوار وطني، وعدم إقصاء أحد يقبل بأهداف ثورة الحرية والكرامة. وأول مهمة لهيئة المتابعة هي مراجعة مسيرة الثورة لاستنتاج الدروس منها وتجاوز الأخطاء.

لا بدّ من تكريس استقلالية القرار الوطني السوري، وهذا لن يتحقق إلا بالاعتماد -قبل أي شيء- على أبناء الداخل السوري الذين يتعرضون يوميًا للقصف والقتل والتشريد والتجويع. هم أهل الثورة، وهم من يصمد ويحافظ على راية الثورة، ومن حقهم قيادتها بمساعدة السوريين الشرفاء المتواجدين خارج سورية لأسباب قسرية أو اغترابية.

وأخيرًا -بحسب علمي- إن هذا الملتقى لا ينافس أحدًا، ولا يريد أن يكون بديلًا لأحد في تمثيل الشعب السوري. فالمطلوب اليوم فتح طريق جديد مستقل للعمل السياسي لا يتبع هياكل المعارضة الرسمية التي استنزفت طاقاتها، ولا بدّ من الاستفادة من كل السوريين في كل العالم، للانخراط في دعم استمرارية الثورة بالطرق المتاحة، فما مات حق وراءه شعب مطالب.


محمود الحمزة


المصدر
جيرون